واختلفوا في قراءة البسملة في غير الشروع في قراءة سورة من أولها ، أي في قراءة البسملة بين السورتين.
فورش عن نافع في أشهر الروايات عنه وابن عامر ، وأبو عمرو ، وحمزة ، ويعقوب ، وخلف ، لا يبسملون بين السورتين وذلك يعلل بأن التشبّه بفعل كتّاب المصحف خاص بالابتداء ، وبحملهم رسم البسملة في المصحف على أنه علامة على ابتداء السورة لا على الفصل ، إذ لو كانت البسملة علامة على الفصل بين السورة والتي تليها لما كتبت في أول سورة الفاتحة ، فكان صنيعهم وجيها لأنهم جمعوا بين ما رووه عن سلفهم وبين دليل قصد التيمن ، ودليل رأيهم أن البسملة ليست آية من أول كل سورة.
وقالون عن نافع وابن كثير وعاصم والكسائي وأبو جعفر يبسملون بين السورتين سوى ما بين الأنفال وبراءة ، وعدوه من سنة القراءة ، وليس حظهم في ذلك إلا اتباع سلفهم ، إذ ليس جميعهم من أهل الاجتهاد ، ولعلهم طردوا قصد التيمن بمشابهة كتّاب المصحف في الإشعار بابتداء السورة والإشعار بانتهاء التي قبلها.
واتفق المسلمون على ترك البسملة في أول سورة براءة وقد تبين وجه ذلك آنفا ، ووجّهه الأئمة بوجوه أخر تأتي في أول سورة براءة ، وذكر الجاحظ في «البيان والتبيين» (١) أن مؤرّجا السّدوسي البصري سمع رجلا يقول : «أمير المؤمنين يردّ على المظلوم» فرجع مؤرج إلى مصحفه فردّ على براءةبسم الله الرحمن الرحيم ، ويحمل هذا الذي صنعه مؤرج ـ إن صح عنه ـ إنما هو على التمليح والهزل وليس على الجد.
وفي هذا ما يدل على أن اختلاف مذاهب القراء في قراءة البسملة في مواضع من القرآن ابتداء ووصلا كما تقدم لا أثر له في الاختلاف في حكم قراءتها في الصلاة ، فإن قراءتها في الصلاة تجري على أحكام النظر في الأدلة ، وليس مذاهب القراء بمعدودة من أدلة الفقه ، وإنما قراءاتهم روايات وسنة متبعة في قراءة القرآن دون استناد إلى اعتبار أحكام رواية القرآن من تواتر ودونه ، ولا إلى وجوب واستحباب وتخيير ، فالقارئ يقرأ كما روى عن معلميه ولا ينظر في حكم ما يقرؤه من لزوم كونه كما قرأ أو عدم اللزوم ، فالقراء تجري أعمالهم في صلاتهم على نزعاتهم في الفقه من اجتهاد وتقليد ، ويوضح غلط من ظن أن خلاف الفقهاء في إثبات البسملة وعدمه مبني على خلاف القراء ، كما يوضح
__________________
(١) صفحة ١٣٠ جزء ٢ طبع الرحمانية ـ القاهرة.