وجه لاشتقاقه من السمو لأنه قد يستعمل لأشياء غير سامية وقد علمت وجه الجواب ، ورأي الكوفيين أرجح من جانب الاشتقاق دون التصريف ، على أن همزة الوصل لم يعهد دخولها على ما حذف صدره وردوا استدلال البصريين بتصاريفه بأنها يحتمل أن تكون تلك التصاريف من القلب المكاني بأن يكون أصل اسم وسم ، ثم نقلب الواو التي هي فاء الكلمة فجعلت لاما ليتوسل بذلك إلى حذفها ورد في تصرفاته في الموضع الذي حذف منه لأنه تنوسي أصله ، وأجيب عن ذلك بأن هذا بعيد لأنه خلاف الأصل وبأن القلب لا يلزم الكلمة في سائر تصاريفها وإلا لما عرف أصل تلك الكلمة. وقد اتفق علماء اللغة على أن التصاريف هي التي يعرف بها الزائد من الأصلي والمنقلب من غيره. وزعم ابن حزم في كتاب «الملل والنحل» أن كلا قولي البصريين والكوفيين فاسد افتعله النحاة ولم يصح عن العرب وأن لفظ الاسم غير مشتق بل هو جامد وتطاول ببذاءته عليهم وهي جرأة عجيبة ، وقد قال تعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [النحل : ٤٣].
وإنما أقحم لفظ اسم مضافا إلى علم الجلالة إذ قيل (بسم الله) ولم يقل بالله لأن المقصود أن يكون الفعل المشروع فيه من شئون أهل التوحيد الموسومة باسم الإله الواحد فلذلك تقحم كلمة اسم في كل ما كان على هذا المقصد كالتسمية على النسك قال تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) [الأنعام : ١١٨] وقال : (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) [الأنعام : ١١٩] وكالأفعال التي يقصد بها التيمن والتبرك وحصول المعونة مثل : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) [العلق : ١] فاسم الله هو الذي تمكن مقارنته للأفعال لا ذاته ، ففي مثل هذا لا يحسن أن يقال بالله لأنه حينئذ يكون المعنى أنه يستمد من الله تيسيرا وتصرفا من تصرفات قدرته وليس ذلك هو المقصود بالشروع ، فقوله تعالى : (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) [الواقعة : ٧٤] أمر بأن يقول سبحان الله ، وقوله : (وَسَبِّحْهُ) [الإنسان : ٢٦] أمر بتنزيه ذاته وصفاته عن النقائص ، فاستعمال لفظ الاسم في هذا بمنزلة استعمال سمات الإبل عند القبائل ، وبمنزلة استعمال القبائل شعار تعارفهم (١) ، واستعمال الجيوش شعارهم المصطلح عليه. والخلاصة (٢) أن كل مقام يقصد فيه التيمن والانتساب إلى الرب الواحد الواجب الوجود يعدى فيه الفعل إلى لفظ اسم الله كقوله : (وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها)
__________________
(١) قال النابغة :
مستشعرين قد ألفوا في ديارهم |
|
دعاء سوع ودعميّ وأيوب |
(٢) وفي الخبر «كان شعار المسلمين يوم بدر أحد أحد».