الجميل. قال أمية ابن أبي الصلت يمدح عبد الله بن جدعان :
أأذكر حاجتي أم قد كفاني |
|
حياؤك إنّ شيمتك الحياء |
إذا أثنى عليك المرء يوما |
|
كفاه عن تعرّضه الثّناء |
فكان افتتاح الكلام بالتحميد سنة الكتاب المجيد لكل بليغ مجيد ، فلم يزل المسلمون من يومئذ يلقّبون كل كلام نفيس لم يشتمل في طالعه على الحمد بالأبتر أخذا من حديث أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم «كلّ أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله أو بالحمد فهو أقطع» (١). وقد لقبت خطبة زياد ابن أبي سفيان التي خطبها بالبصرة بالبتراء لأنه لم يفتتحها بالحمد ، وكانت سورة الفاتحة لذلك منزّلة من القرآن منزلة الديباجة للكتاب أو المقدمة للخطبة ، ولذلك شأن مهم في صناعة الإنشاء فإن تقديم المقدمة بين يدي المقصود أعود للأفهام وأدعى لوعيها.
و (الحمد) هو الثناء على الجميل أي الوصف الجميل الاختياري فعلا كان كالكرم وإغاثة الملهوف أم غيره كالشجاعة. وقد جعلوا الثناء جنسا للحمد فهو أعم منه ولا يكون ضده. فالثناء الذكر بخير مطلقا وشذ من قال يستعمل الثناء في الذكر مطلقا ولو بشرّ ، ونسبا إلى ابن القطاع (٢) وغرّه في ذلك ما ورد في الحديث وهو قوله صلىاللهعليهوسلم : «من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار» وإنما هو مجاز دعت إليه المشاكلة اللفظية والتعريض بأن من كان متكلما في مسلم فليتكلم بثناء أو ليدع ، فسمّى ذكرهم بالشر ثناء تنبيها على ذلك. وأما الذي يستعمل في الخير والشر فهو النثاء بتقديم النون وهو في الشر أكثر كما قيل.
وأما المدح فقد اختلف فيه فذهب الجمهور إلى أن المدح أعم من الحمد فإنه يكون على الوصف الاختياري وغيره. وقال صاحب «الكشاف» الحمد والمدح أخوان فقيل أراد أخوان في الاشتقاق الكبير نحو جبذ وجذب ، وإن ذلك اصطلاح له في «الكشاف» في معنى أخوة اللفظين لئلا يلزم من ظاهر كلامه أن المدح يطلق على الثناء على الجميل الاختياري ، لكن هذا فهم غير مستقيم والذي عليه المحققون من شراح «الكشاف» أنه أراد
__________________
(١) رواه البيهقي في «سننه» باللفظ الأول ، ورواه أبو داود في «سننه» باللفظ الثاني وهو حديث حسن.
(٢) هو علي بن جعفر السعدي بن سعد بن مالك من بني تميم الصقلي ، ولد بصقلية سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة ، ورحل إلى القاهرة وتوفي بها سنة خمس عشرة وقيل أربع عشرة وخمسمائة.