والعجب لك ، والويل له ، وإنما استحبوا الرفع فيه لأنه صار معرفة وهو خبر (أي غير إنشاء) فقوي في الابتداء (أي إنه لما كان خبرا لا دعاء وكان معرفة بال تهيأت فيه أسباب الابتداء لأن كونه في معنى الإخبار يهيّئ جانب المعنى للخبرية وكونه معرفة يصحح أن يكون مبتدأ) بمنزلة عبد الله ، والرجل ، والذي تعلم (من المعارف) لأن الابتداء إنما هو خبر وأحسنه إذا اجتمع معرفة ونكرة أن تبدأ بالأعرف وهو أصل الكلام. وليس كل حرف (أي تركيب) يصنع به ذاك ، كما أنه ليس كل حرف (أي كلمة من هذه المصادر) يدخل فيه الألف واللام ، فلو قلت السقي لك والرعي لك لم يجز (يعني يقتصر فيه على السماع). واعلم أن (الْحَمْدُ لِلَّهِ) وإن ابتدأته ففيه معنى المنصوب وهو بدل من اللفظ بقولك أحمد الله. وسمعنا ناسا من العرب كثيرا يقولون : التراب لك والعجب لك ، فتفسير نصب هذا كتفسيره حيث كان نكرة ، كأنك قلت حمدا وعجبا ، ثم جئت بلك لتبين من تعني ولم تجعله مبنيا عليه فتبتدئه». انتهى كلام سيبويه باختصار. وإنما جلبناه هنا لأنه أفصح كلام عن أطوار هذا المصدر في كلام العرب واستعمالهم ، وهو الذي أشار له صاحب «الكشاف» بقوله : «وأصله النصب بإضمار فعله على أنه من المصادر التي ينصبها العرب بأفعال مضمرة في معنى الإخبار كقولهم شكرا ، وكفرا ، وعجبا ، ينزلونها منزلة أفعالها ويسدون بها مسدها ، ولذلك لا يستعملونها معها والعدول بها عن النصب إلى الرفع على الابتداء للدلالة على ثبات المعنى» إلخ.
ومن شأن بلغاء العرب أنهم لا يعدلون عن الأصل إلا وهم يرمون إلى غرض عدلوا لأجله ، والعدول عن النصب هنا إلى الرفع ليتأتى لهم الدلالة على الدوام والثبات بمصير الجملة اسمية ؛ والدلالة على العموم المستفاد في المقام من أل الجنسية ، والدلالة على الاهتمام المستفاد من التقديم. وليس واحد من هذه الثلاثة بممكن الاستفادة لو بقي المصدر منصوبا إذ النصب يدل على الفعل المقدر والمقدر كالملفوظ فلا تكون الجملة اسمية إذ الاسم فيها نائب عن الفعل فهو ينادي على تقدير الفعل فلا يحصل الدوام. ولأنه لا يصح معه اعتبار التقديم فلا يحصل الاهتمام. ولأنه وإن صح اجتماع الألف واللام مع النصب كما قرئ بذلك وهي لغة تميم كما قال سيبويه فالتعريف حينئذ لا يكون دالا على عموم المحامد لأنه إن قدر الفعل أحمد بهمزة المتكلم فلا يعم إلا تحميدات المتكلم دون تحميدات جميع الناس ، وإن قدر الفعل نحمد وأريد بالنون جميع المؤمنين بقرينة (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) وبقرينة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) فإنما يعم محامد المؤمنين أو محامد الموحدين كلهم ، كيف وقد حمد أهل الكتاب الله تعالى وحمده العرب في الجاهلية. قال أمية بن