المانوية من المجوس المعبود (أهرمن) وهو عندهم رب الشر والضر ويرمزون إليه بعنصر الظلمة وأنه تولد من خاطر سوء خطر للرب (يزدان) إله الخير ، قال المعري :
فكّر يزدان على غرة |
|
فصيغ من تفكيره أهرمن |
والحصر المستفاد من تقديم المعمول في قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) حصر حقيقي لأن المؤمنين الملقّنين لهذا الحمد لا يعبدون إلا الله. وزعم ابن الحاجب في «إيضاح المفصل» في شرح ديباجة «المفصل» عند قول الزمخشري «الله أحمد» أن التقديم لا يفيد إلا الاهتمام دون حصر وأن قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) تقديم المفعول للاهتمام دون قصر وأن تمسكهم بقوله : (بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ) [الزمر : ٦٦] ضعيف لورود : (فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) [الزمر : ٢] وإبطال رأيه مقرر في كتب علم المعاني.
وأنا أرى استدلاله بورود قوله تعالى : (فَاعْبُدِ اللهَ) لا يليق بمقامه العلمي إذ لا يظن أن محامل الكلام متماثلة في كل مقام ، (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) جملة معطوفة على جملة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) وإنما لم تفصل عن جملة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) بطريقة تعداد الجمل مقام التضرع ونحوه من مقامات التعداد والتكرير كلا أو بعضا للإشارة إلى خطور الفعلين جميعا في إرادة المتكلمين بهذا التخصيص ، أي نخصك بالاستعانة أيضا مع تخصيصك بالعبادة.
والاستعانة طلب العون. والعون والإعانة تسهيل فعل شيء يشق ويعسر على المستعين وحده ، فهي تحصل بإعداد طريق تحصيله من إعارة آلة ، أو مشاركة بعمل البدن كالحمل والقود ، أو بقول كالإرشاد والتعليم ، أو برأي كالنصيحة. قال الحريري في المقامة : «وخلقي نعم العون» ، أو بمال كدفع المغرم ، بحيث يحصل الأمر بعسير من جهود المستعين والمعين.
وأما الاستعانة بالله فهي طلب المعونة على ما لا قبل للبشر بالإعانة عليه ولا قبل للمستعين بتحصيله بمفرده ، ولذلك فهي مشعرة بأن المستعين يصرف مقدرته لتحصيل الفعل ويطلب من الله العون عليه بتيسير ما لا قبل لقدرة المستعين على تحصيله بمفرده ، فهذه هي المعونة شرعا. وقد فسرها العلماء بأنها هي خلق ما به تمام الفعل أو تيسيره ، فتنقسم قسمين ضرورية أي ما يتوقف الفعل عليها فلا يحصل بدونها أي لا يحصل بدون توفر متعلقها وهي إعطاء الاقتدار للفاعل وتصوره للفعل وحصول المادة والآلة ، ومجموع هاته الأربعة يعبر عنه بالاستطاعة ، ويعبر عنها بسلامة الأسباب والآلات وبها يصح تكليف المستطيع.