طريق الكمال الذاتي والاجتماعي مبدأ ونهاية ، وبه يتضح معنى قوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦] فالعبادة على الجملة لا تخرج عن كونها محقّقة للمقصد من الخلق ، ولما كان سرّ الخلق والغاية منه خفية الإدراك عرّفنا الله تعالى إياها بمظهرها وما يحققها جمعا لعظيم المعاني في جملة واحدة وهي جملة : (إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) ، وقريب من هذا التقرير الذي نحوناه وأقل منه قول الشيخ ابن سينا في «الإشارات» : «لما لم يكن الإنسان بحيث يستقل وحده بأمر نفسه إلا بمشاركة آخر من بني جنسه وبمعاوضة ومعارضة تجريان بينهما يفرغ كل واحد منهما لصاحبه عن مهم لو تولاه بنفسه لازدحم على الواحد كثير وكان مما يتعسر إن أمكن ، وجب أن يكون بين الناس معاملة وعدل يحفظه شرع يفرضه شارع متميز باستحقاق الطاعة ووجب أن يكون للمحسن والمسيء جزاء من عند القدير الخبير ، فوجب معرفة المجازي والشارع وأن يكون مع المعرفة سبب حافظ للمعرفة ففرضت عليهم العبادة المذكّرة للمعبود ، وكررت عليهم ليستحفظ التذكير بالتكرير» ا ه.
لا شك أن داعي العبادة التعظيم والإجلال وهو إما عن محبة أو عن خوف مجرد ، وأهمه ما كان عن محبة لأنه يرضي نفس فاعله قال :
أهابك إجلالا وما بك قدرة |
|
عليّ ولكن ملء عين حبيبها |
وهي تستلزم الخوف من غضب المحبوب قال محمود الوراق أو منصور الفقيه :
تعصي الإله وأنت تظهر حبّه |
|
هذا لعمري في القياس بديع |
لو كان حبك صادقا لأطعته |
|
إن المحبّ لمن يحب مطيع |
ولذلك قال تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) [آل عمران : ٣١] فذلك يشعر بأن اتباع الشريعة يوجب محبة الله وأن المحب يود أن يحبه حبيبه كما قال المتنبي :
أنت الحبيب ولكني أعوذ به |
|
من أن أكون محبا غير محبوب |
وإلى هذا النوع ترجع عبادة أكثر الأمم ، ومنها العبادة المشروعة في جميع الشرائع لأنها مبنية على حب الله تعالى ، وكذلك عبادة المشركين أصنامهم قال تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ) [البقرة : ١٦٥]. ومن الأمم من عبدت عن خوف دون محبة وإنما هو لاتقاء شر كما عبدت بعض الأمم الشياطين وعبدت