بخلاف إعادة لفظ المبدل منه فإنه إعادة له بما يتحد مع ما صدقه فلذلك عبر بالتكرير وبالتثنية ، ومراده أن مثل هذا البدل وهو الذي فيه إعادة لفظ المبدل منه يفيد فائدة البدل وفائدة التوكيد اللفظي ، وقد علمت أن الجمع بين الأمرين لا يتأتى على وجه معتبر عند البلغاء إلا بهذا الصوغ البديع.
وإن إعادة الاسم في البدل أو البيان ليبنى عليه ما يراد تعلقه بالاسم الأول أسلوب بهيج من الكلام البليغ لإشعار إعادة اللفظ بأن مدلوله بمحلّ العناية وأنه حبيب إلى النفس ، ومثله تكرير الفعل كقوله تعالى : (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً) [الفرقان : ٧٢] وقوله : (رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا) [القصص : ٦٣] فإن إعادة فعل (مَرُّوا) وفعل (أَغْوَيْناهُمْ) وتعليق المتعلّق بالفعل المعاد دون الفعل الأول تجد له من الروعة والبهجة ما لا تجده لتعليقه بالفعل الأول دون إعادة ، وليست الإعادة في مثله لمجرد التأكيد لأنه قد زيد عليه ما تعلق به. قال ابن جني في «شرح مشكل الحماسة» عند قول الأحوص :
فإذا تزول تزول عن متخمّط |
|
تخشى بوادره على الأقران |
محال أن تقول إذا قمت قمت وإذا أقعد أقعد لأنه ليس في الثاني غير ما في الأول وإنما جاز أن يقول فإذا تزول تزول لما اتصل بالفعل الثاني من حرف الجر المفادة منه الفائدة ، ومثله قول الله تعالى : (هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا) وقد كان أبو علي (يعني الفارسي) امتنع في هذه الآية مما أخذناه ا ه.
قلت ولم يتضح توجيه امتناع أبي علي فلعله امتنع من اعتبار (أَغْوَيْناهُمْ) بدلا من (أَغْوَيْنا) وجعله استئنافا وإن كان المآل واحدا. وفي استحضار المنعم عليهم بطريق الموصول ، وإسناد فعل الإنعام عليهم إلى ضمير الجلالة ، تنويه بشأنهم خلافا لغيرهم من المغضوب عليهم والضالين.
ثم إن في اختيار وصف الصراط المستقيم بأنه صراط الذين أنعمت عليهم دون بقية أوصافه تمهيدا لبساط الإجابة فإن الكريم إذا قلت له أعطني كما أعطيت فلانا كان ذلك أنشط لكرمه ، كما قرره الشيخ الجد قدس الله سره في قوله صلىاللهعليهوسلم : «كما صليت على إبراهيم» ، فيقول السائلون : اهدنا الصراط المستقيم الصراط الذين هديت إليه عبيد نعمك مع ما في ذلك من التعريض بطلب أن يكونوا لا حقين في مرتبة الهدى بأولئك المنعم عليهم ، وتهمما بالاقتداء بهم في الأخذ بالأسباب التي ارتقوا بها إلى تلك الدرجات ، قال تعالى : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الممتحنة : ٦] ، وتوطئة لما سيأتي بعد من التبري