الصحيح لإفهام المسلم وكبت الملحد ، فقام الدين بصنيعهم على قواعده ، وتميز المخلص له عن ماكره وجاحده. وكلّ فيما صنعوا على هدى. وبعد البيان لا يرجع إلى الإجمال أبدا. وما تأوّلوه إلا بما هو معروف في لسان العرب مفهوم لأهله.
فغضب الله تعالى على العموم يرجع إلى معاملته الحائدين عن هديه العاصين لأوامره ويترتب عليه الانتقام وهو مراتب أقصاها عقاب المشركين والمنافقين بالخلود في الدرك الأسفل من النار ودون الغضب الكراهية فقد ورد في الحديث : «ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال» ، ويقابلهما الرضى والمحبة وكل ذلك غير المشيئة والإرادة بمعنى التقدير والتكوين ، (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) [الزمر : ٧] (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ) [الأنعام : ١١٢] (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) [يونس : ٩٩] وتفصيل هذه الجملة في علم الكلام.
واعلم أن الغضب عند حكماء الأخلاق مبدأ من مجموع الأخلاق الثلاثة الأصلية التي يعبر عن جميعها بالعدالة وهي : الحكمة والعفة والشجاعة ، فالغضب مبدأ الشجاعة إلا أن الغضب يعبر به عن مبدأ نفساني لأخلاق كثيرة متطرفة ومعتدلة فيلقّبون بالقوة الغضبية ما في الإنسان من صفات السّبعية وهي حب الغلبة ومن فوائدها دفع ما يضره ولها حد اعتدال وحد انحراف فاعتدالها الشجاعة وكبر الهمة ، وثبات القلب في المخاوف ، وانحرافها إما بالزيادة فهي التهور وشدة الغضب من شيء قليل والكبر والعجب والشراسة والحقد والحسد والقساوة ، أو بالنقصان فالجبن وخور النفس وصغر الهمة فإذا أطلق الغضب لغة انصرف إلى بعض انحراف الغضبية ، ولذلك كان من جوامع كلم النبي صلىاللهعليهوسلم : «أن رجلا قال له أوصني قال : لا تغضب فكرّر مرارا فقال : لا تغضب» رواه الترمذي. وسئل بعض ملوك الفرس بم دام ملككم؟ فقال : لأنا نعاقب على قدر الذنب لا على قدر الغضب. فالغضب المنهي عنه هو الغضب للنّفس لأنه يصدر عنه الظلم والعدوان ، ومن الغضب محمود وهو الغضب لحماية المصالح العامة وخصوصا الدينية وقد ورد أن النبي كان لا يغضب لنفسه فإذا انتهكت حرمة من حرمات الله غضب لله.
وقوله : (وَلَا الضَّالِّينَ) معطوف على (الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) كما هو متبادر ، قال ابن عطية ، قال مكي ابن أبي طالب إن دخول (لا) لدفع توهم عطف (الضالين) على (الذين أنعم عليهم) ، وهو توجيه بعيد فالحق أن (لا) مزيدة لتأكيد النفي المستفاد من لفظ (غير) على طريقة العرب في المعطوف على ما في حيز النفي نحو قوله : (أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ