الصلاة فإن ذلك كان من صفاتهم قبل مجيء الإسلام فذكرت لهم خصلة أخرى زائدة على ما وصف به المسلمون الأوّلون ، فالمغايرة بين الفريقين هنا بالعموم والخصوص ، ولما كان قصد تخصيصهم بالذكر يستلزم عطفهم وكان العطف بدون تنبيه على أنهم فريق آخر يوهم أن القرآن لا يهدي إلا الذين آمنوا بما أنزل من قبل لأن هذه خاتمة الصفات فهي مرادة فيظن أن الذين آمنوا عن شرك لا حظ لهم من هذا الثناء ، وكيف وفيهم من خيرة المؤمنين من الصحابة وهم أشد اتقاء واهتداء إذ لم يكونوا أهل ترقب لبعثة رسول من قبل فاهتداؤهم نشأ عن توفيق رباني ، دفع هذا الإيهام بإعادة الموصول ليؤذن بأن هؤلاء فريق آخر غير الفريق الذي أجريت عليهم الصفات الثلاث الأول ، وبذلك تبين أن المراد بأهل الصفات الثلاث الأول هم الذين آمنوا بعد شرك لوجود المقابلة. ويكون الموصولان للعهد ، وعلم أن الذين يؤمنون بما أنزل من قبل هم أيضا ممن يؤمن بالغيب ويقيم الصلاة وينفق لأن ذلك مما أنزل إلى النبي ، وفي التعبير بالمضارع من قوله (يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) من إفادة التجدّد مثل ما تقدم في نظائره لأن إيمانهم بالقرآن حدث جديدا ، وهذا كله تخصيص لهم بمزية يجب اعتبارها وإن كان التفاضل بعد ذلك بقوة الإيمان ورسوخه وشدة الاهتداء ، فأبو بكر وعمر أفضل من دحية وعبد الله بن سلام.
والإنزال جعل الشيء نازلا ، والنزول الانتقال من علو إلى سفل وهو حقيقة في انتقال الذوات من علو ، ويطلق الإنزال ومادة اشتقاقه بوجه المجاز اللغوي على معان راجعة إلى تشبيه عمل بالنزول لاعتبار شرف ورفعة معنوية كما في قوله تعالى : (قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً) [الأعراف : ٢٦] وقوله : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) [الزمر : ٦] لأن خلق الله وعطاءه يجعل كوصول الشيء من جهة عليا لشرفه ، وأما إطلاقه على بلوغ الوصف من الله إلى الأنبياء فهو إما مجاز عقلي بإسناد النزول إلى الوحي تبعا لنزول الملك مبلّغه الذي يتصل بهذا العالم نازلا من العالم العلوي قال تعالى : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ) [الشعراء : ١٩٤ ، ١٩٥] فإن الملك ملابس للكلام المأمور بتبليغه ، وإما مجاز لغوي بتشبيه المعاني التي تلقى إلى النبي بشيء وصل من مكان عال ، ووجه الشبه هو الارتفاع المعنوي لا سيما إذا كان الوحي كلاما سمعه الرسول كالقرآن وكما أنزل إلى موسى وكما وصف النبي صلىاللهعليهوسلم بعض أحوال الوحي في الحديث الصحيح بقوله : «وأحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس فيفصم عني وقد وعيت ما قال» وأما رؤيا النوم كرؤيا إبراهيم فلا تسمّى إنزالا.