ولله صعلوك يساور همّه |
|
ويمضى على الأحداث والدّهر مقدما |
فتى طلبات لا يرى الخمص ترحة |
|
ولا شبعة إن نالها عدّ مغنما |
إلى أن قال :
فذلك إن يهلك فحسنى ثناؤه |
|
وإن عاش لم يقعد ضعيفا مذمما (١) |
فقوله : (أُولئِكَ عَلى هُدىً) جملة مستأنفة استئنافا بيانيا لأن السامع إذا سمع ما تقدم من صفات الثناء عليهم ترقب فائدة تلك الأوصاف ، واسم الإشارة هنا حل محل ذكر ضميرهم والإشارة أحسن منه وقعا لأنها تتضمن جميع أوصافهم المتقدمة فقد حققه التفتازانيّ في باب الفصل والوصل من الشرح المطول أن الاستئناف بذكر اسم الإشارة أبلغ من الاستئناف الذي يكون بإعادة اسم المستأنف عنه. وهذا التقدير أظهر معنى وأنسب بلاغة وأسعد باستعمال اسم الإشارة في مثل هاته المواقع ، لأنه أظهر في كون الإشارة لقصد التنويه بتلك الصفات المشار إليها وبما يرد بعد اسم الإشارة من الحكم الناشئ عنها ، وهذا لا يحصل إلا بجعل اسم الإشارة مبتدأ أول صدر جملة استئناف. فقوله : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) رجوع إلى الإخبار عنهم بأن القرآن هدى لهم والإتيان بحرف الاستعلاء تمثيل لحالهم بأن شبهت هيئة تمكنهم من الهدى وثباتهم عليه ومحاولتهم الزيادة به والسير في طريق الخيرات بهيئة الراكب في الاعتلاء على المركوب والتمكن من تصريفه والقدرة على إراضته فشبهت حالتهم المنتزعة من متعدد بتلك الحالة المنتزعة من متعدد تشبيها ضمنيا دل عليه حرف الاستعلاء لأن الاستعلاء أقوى أنواع تمكن شيء من شيء ، ووجه جعلنا إياها مؤذنة بتقدير مركوب دون كرسي أو مسطبة مثلا ، لأن ذلك هو الذي تسبق إليه أفهامهم عند سماع ما يدل على الاستعلاء ، إذ الركوب هو أكثر أنواع استعلائهم فهو الحاضر في أذهانهم ، ولذلك تراهم حين يصرحون بالمشبه به أو يرمزون إليه ما يذكرون إلا المركوب وعلائقه ، فيقولون جعل الغواية مركبا وامتطى الجهل وفي «المقامة» : «لما اقتعدت غارب الاغتراب وقالوا في الأمثال : ركب متن عمياء ، تخبط خبط عشواء. وقال النابغة يهجو عامر بن الطفيل الغنوي :
__________________
(١) الصعلوك ـ بضم الصاد ـ أصله الفقير ، ويطلق على المتلصص لأن الفقر يدعوه للتلصص عندهم لأنهم ما كانوا يرضون باكتساب ينافي الشجاعة ويكسب المذلة كالسرقة والسؤال. فحاتم يمدح الصعلوك الذي لا يقتصر على التلصص بل يكون بشجاعته عدة لقومه عند الحاجة.