تقدم آنفا وما شرحه به شارحاه التفتازانيّ والجرجاني. علم الكلام في جملة ما يتوقف عليه علم التفسير ، قال عبد الحكيم : «لتوقف علم التفسير على إثبات كونه تعالى متكلما ، وذلك يحتاج إلى علم الكلام».
وقال الآلوسي : «لتوقف فهم ما يجوز على الله ويستحيل على الكلام» يعني من آيات التشابه في الصفات مثل : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) [طه : ٥] ، وهذا التوجيه أقرب من توجيه عبد الحكيم ، وهو مأخوذ من كلام السيد الجرجاني في «شرح المفتاح» ، وكلاهما اشتباه لأن كون القرآن كلام الله قد تقرر عند سلف الأمة قبل علم الكلام ، ولا أثر له في التفسير ، وأما معرفة ما يجوز وما يستحيل فكذلك ، ولا يحتاج لعلم الكلام إلا في التوسع في إقامة الأدلة على استحالة بعض المعاني ، وقد أبنت أن ما يحتاج إليه المتوسع لا يصير مادة للتفسير.
ولم نعدّ الفقه من مادة علم التفسير كما فعل السيوطي ، لعدم توقف فهم القرآن ، على مسائل الفقه ، فإن علم الفقه متأخر عن التفسير وفرع عنه ، وإنما يحتاج المفسر إلى مسائل الفقه عند قصد التوسع في تفسيره ، للتوسع في طرق الاستنباط وتفصيل المعاني تشريعا وآدابا وعلوما ، ولذلك لا يكاد يحصر ما يحتاجه المتبحر في ذلك من العلوم ، ويوشك أن يكون المفسر المتوسع محتاجا إلى الإلمام بكل العلوم وهذا المقام هو الذي أشار له البيضاوي بقوله : «لا يليق لتعاطيه ، والتصدي للتكلم فيه ، إلا من برع في العلوم الدينية كلها ، أصولها وفروعها وفي الصناعات العربية والفنون الأدبية بأنواعها».
تنبيه : اعلم أنه لا يعد من استمداد علم التفسير الآثار المروية عن النبي صلىاللهعليهوسلم في تفسير آيات ، ولا ما يروى عن الصحابة في ذلك لأن ذلك من التفسير لا من مدده ، ولا يعد أيضا من استمداد التفسير ما في بعض آي القرآن من معنى يفسر بعضا آخر منها ، لأن ذلك من قبيل حمل بعض الكلام على بعض ، كتخصيص العموم وتقييد المطلق وبيان المجمل وتأويل الظاهر ودلالة الاقتضاء وفحوى الخطاب ولحن الخطاب ومفهوم المخالفة.
ذكر ابن هشام في «مغني اللبيب» ، في حرف لا ، عن أبي علي الفارسي ، أن القرآن كله كالسورة الواحدة ، ولهذا يذكر الشيء في سورة وجوابه في سورة أخرى ، نحو : (وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) [الحجر : ٦] وجوابه : (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) [القلم : ٢] ه. وهذا كلام لا يحسن إطلاقه ، لأن القرآن قد يحمل بعض آياته