على أن المراد من الأخت في آية الكلالة الأولى هي الأخت للأم ، وأن المراد من الصلاة في سورة الجمعة هي صلاة الجمعة ، وكذلك المعلومات بالضرورة كلها ككون الصلاة مرادا منها الهيئة المخصوصة دون الدعاء ، والزكاة المال المخصوص المدفوع.
وأما القراءات فلا يحتاج إليها إلا في حين الاستدلال بالقراءة على تفسير غيرها ، وإنما يكون في معنى الترجيح لأحد المعاني القائمة من الآية أو لاستظهار على المعنى ، فذكر القراءة كذكر الشاهد من كلام العرب ، لأنها إن كانت مشهورة ، فلا جرم أنها تكون حجة لغوية ، وإن كانت شاذة فحجتها لا من حيث الرواية ، لأنها لا تكون صحيحة الرواية ، ولكن من حيث إن قارئها ما قرأ بها إلا استنادا لاستعمال عربي صحيح ، إذ لا يكون القارئ معتدا به إلا إذا عرفت سلامة عربيته ، كما احتجوا على أن أصل (الْحَمْدُ لِلَّهِ) [الفاتحة : ٢] أنه منصوب على المفعول المطلق بقراءة هارون العتكي (الْحَمْدُ لِلَّهِ) بالنصب كما في «الكشاف» وبذلك يظهر أن القراءة لا تعد تفسيرا من حيث هي طريق في أداء ألفاظ القرآن ، بل من حيث إنها شاهد لغوي فرجعت إلى علم اللغة.
وأما أخبار العرب فهي من جملة أدبهم وإنما خصصتها بالذكر تنبيها لمن يتوهم أن الاشتغال بها من اللغو فهي يستعان بها على فهم ما أوجزه القرآن في سوقها لأن القرآن إنما يذكر القصص والأخبار للموعظة والاعتبار ، لا لأن يتحادث بها الناس في الأسمار ، فبمعرفة الأخبار يعرف ما أشارت له الآيات من دقائق المعاني ، فنحو قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً) [النحل : ٩٢] وقوله : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) [البروج : ٤] يتوقف على معرفة أخبارهم عند العرب.
وأما أصول الفقه فلم يكونوا يعدونه من مادة التفسير ، ولكنهم يذكرون أحكام الأوامر والنواهي والعموم وهي من أصول الفقه ، فتحصل أن بعضه يكون مادة للتفسير وذلك من جهتين : إحداهما : أن علم الأصول قد أودعت فيه مسائل كثيرة هي من طرق استعمال كلام العرب وفهم موارد اللغة أهمل التنبيه عليها علماء العربية مثل مسائل الفحوى ومفهوم المخالفة ، وقد عد الغزالي علم الأصول من جملة العلوم التي تتعلق بالقرآن وبأحكامه فلا جرم أن يكون مادة للتفسير.
الجهة الثانية : أن علم الأصول يضبط قواعد الاستنباط ويفصح عنها فهو آلة للمفسر في استنباط المعاني الشرعية من آياتها.
وقد عد عبد الحكيم والآلوسي أخذا من كلام السكاكي ، في آخر فن البيان الذي