(قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ) [البقرة : ١٤] مؤكّدا بإنّ إلى قلة ثقة أصحابهم فيهم ، وقوله : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) [البقرة : ١٦] إلى أن أمرهم لم يحظ بالقبول عند أصحابهم ، وقوله : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) [البقرة : ١٨] إلى اضمحلال الفضيلة منهم وسيجيء تفصيل لهذا ، وجمع عند قوله تعالى : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ).
والناس اسم جمع إنسيّ بكسر الهمزة وياء النسب فهو عوض عن أناسيّ الذي هو الجمع القياسي لإنس وقد عوضوا عن أناسي أناس بضم الهمزة وطرح ياء النسب ، دلّ على هذا التعويض ظهور ذلك في قول عبيد بن الأبرص الأسدي يخاطب إمرأ القيس :
إنّ المنايا يطّلع |
|
ن على الأناس الآمنينا |
ثم حذفوا همزته تخفيفا ، وحذف الهمزة للتخفيف شائع كما قالوا لوقة في ألوقة وهي الزّبدة ، وقد التزم حذف همزة أناس عند دخول أل عليه غالبا بخلاف المجرد من أل فذكر الهمزة وحذفها شائع فيه وقد قيل إن ناس جمع وإنه من جموع جاءت على وزن فعال بضم الفاء مثل ظؤار جمع ظئر ، ورخال جمع رخل وهي الأنثى الصغيرة من الضأن ووزن فعال قليل في الجموع في كلام العرب وقد اهتم أئمة اللغة بجمع ما ورد منه فذكرها ابن خالويه في «كتاب (ليس)» وابن السكيت وابن بري. وقد عد المتقدمون منها ثمانية جمعت في ثلاثة أبيات تنسب للزمخشري والصحيح أنها لصدر الأفاضل تلميذه ثم ألحق كثير من اللغويين بتلك الثمان كلمات أخر حتى أنهيت إلى أربع وعشرين جمعا ذكرها الشهاب الخفاجي في «شرح درة الغواص» وذكر معظمها في «حاشيته على تفسير البيضاوي» وهي فائدة من علم اللغة فارجعوا إليها إن شئتم.
وقيل إن ما جاء بهذا الوزن أسماء جموع ، وكلام «الكشاف» يؤذن به ومفرد هذا الجمع إنسي أو إنس أو إنسان وكله مشتق من أنس ضد توحش لأن الإنسان يألف ويأنس.
والتعريف في الناس للجنس لأن ما علمت من استعماله في كلامهم يؤيد إرادة الجنس ويجوز أن يكون التعريف للعهد والمعهود هم الناس المتقدم ذكرهم في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) [البقرة : ٦] أو الناس الذين يعهدهم النبي صلىاللهعليهوسلم والمسلمون في هذا الشأن ، و (من) موصولة والمراد بها فريق وجماعة بقرينة قوله (وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) وما بعده من صيغ الجمع.
والمذكور بقوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ) إلخ قسم ثالث مقابل للقسمين المتقدمين