عليهم ، ومعاملة المؤمنين إياهم في إجراء أحكام المسلمين عليهم ، بهيئة فعل المتخادعين.
الثالث : أن يكون خادع بمعنى خدع أي غير مقصود به حصول الفعل من الجانبين بل قصد المبالغة. قال ابن عطية عن الخليل : يقال خادع من واحد لأن في المخادعة مهلة كما يقال عالجت المريض لمكان المهلة ، قال ابن عطية كأنه يرد فاعل إلى اثنين ولا بدّ من حيث إن فيه مهلة ومدافعة ومماطلة فكأنه يقاوم في المعنى الذي يجيء فيه فاعل ا ه. وهذا يرجع إلى جعل صيغة المفاعلة مستعارة لمعنى المبالغة بتشبيه الفعل القوي بالفعل الحاصل من فاعلين على وجه التبعية ، ويؤيد هذا التأويل قراءة ابن عامر ومن معه : (يخدعون الله). وهذا إنما يدفع الإشكال عن إسناد صدور الخداع من الله والمؤمنين مع تنزيه الله والمؤمنين عنه ، ولا يدفع إشكال صدور الخداع من المنافقين لله.
وأما التأويل في فاعل (يُخادِعُونَ) المقدّر وهو المفعول أيضا فبأن يجعل المراد أنهم يخادعون رسول الله فالإسناد إلى الله تعالى إما على طريقة المجاز العقلي لأجل الملابسة بين الرسول ومرسله وإما مجاز بالحذف للمضاف ، فلا يكون مرادهم خداع الله حقيقة ، ويبقى أن يكون رسول الله مخدوعا منهم ومخادعا لهم ، وأما تجويز مخادعة الرسول والمؤمنين للمنافقين لأنها جزاء لهم على خداعهم فذلك غير لائق.
وقوله : (يُخادِعُونَ اللهَ) قرأه نافع وابن كثير وأبو عمرو وخلف (يخادعون) بألف بعد الخاء وقرأه ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وأبو جعفر ويعقوب (يَخْدَعُونَ) بفتح التحتية وسكون الخاء.
وجملة وما يخادعون إلا أنفسهم حال من الضمير في يخادعون الأول أي يخادعون في حال كونهم لا يخادعون إلا أنفسهم أي خداعهم مقصور عن ذواتهم لا يرجع شيء منه إلى الله والذين آمنوا ، فيتعين أن الخداع في قوله وما يخادعون عين الخداع المتقدم في قوله : يخادعون الله فيرد إشكال صحة قصر الخداع على أنفسهم مع إثبات مخادعتهم الله تعالى والمؤمنين. وقد أجاب صاحب «الكشاف» بما حاصله أن المخادعة الثانية مستعملة في لازم معنى المخادعة الأولى وهو الضّر فإنها قد استعملت أولا في مطلق المعاملة الشبيهة بالخداع وهي معاملة الماكر المستخف فأطلق عليها لفظ المخادعة استعارة ثم أطلقت ثانيا وأريد منها لازم معنى الاستعارة وهو الضر لأن الذي يعامل بالمكر والاستخفاف يتصدى للانتقام من معامله فقد يجد قدرة من نفسه أو غرّة من صاحبه