قال شرف الدين الطيبي في «شرح الكشاف» في سورة الشعراء : «شرط التفسير الصحيح أن يكون مطابقا للفظ من حيث الاستعمال ، سليما من التكلف عريا من التعسف» ، وصاحب «الكشاف» يسمي ما كان على خلاف ذلك بدع التفاسير.
وأما الجواب عن الشبهة التي نشأت من الآثار المروية في التحذير من تفسير القرآن بالرأي فمرجعه إلى أحد خمسة وجوه :
أولها : أن المراد بالرأي هو القول عن مجرد خاطر دون استناد إلى نظر في أدلة العربية ومقاصد الشريعة وتصاريفها ، وما لا بد منه من معرفة الناسخ والمنسوخ وسبب النزول فهذا لا محالة إن أصاب فقد أخطأ في تصوره بلا علم ، لأنه لم يكن مضمون الصواب كقول المثل : «رمية من غير رام» وهذا كمن فسر (الم) [البقرة : ١]! إن الله أنزل جبريل على محمد بالقرآن فإنه لا مستند لذلك ، وأما ما روي عن الصديق رضياللهعنه فيما تقدم في تفسير الآية فذلك من الورع خشية الوقوع في الخطأ في كل ما لم يقم له فيه دليل أو في مواضع لم تدع الحاجة إلى التفسير فيها ، ألم تر أنه سئل عن الكلالة في آية النساء فقال : أقول فيها برأيي فإن كان صوابا فمن الله وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان إلخ وعلى هذا المحمل ما روي عن الشعبي وسعيد ، أي أنهما تباعدا عما يوقع في ذلك ولو على احتمال بعيد مبالغة في الورع ودفعا للاحتمال الضعيف ، وإلا فإن الله تعالى ما تعبدنا في مثل هذا إلا ببذل الوسع مع ظن الإصابة.
ثانيها : أن لا يتدبر القرآن حق تدبره فيفسره بما يخطر له من بادئ الرأي دون إحاطة بجوانب الآية ومواد التفسير مقتصرا على بعض الأدلة دون بعض كأن يعتمد على ما يبدو من وجه العربية فقط ، كمن يفسر قوله تعالى : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ) [النساء : ٧٩] الآية على ظاهر معناها يقول إن الخير من الله والشر من فعل الإنسان بقطع النظر على الأدلة الشرعية التي تقتضي أن لا يقع إلا ما أراد الله غافلا عما سبق من قوله تعالى : (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ)(١) [النساء : ٧٨] أو بما يبدو من ظاهر اللغة دون استعمال العرب كمن يقول في قوله تعالى : (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً) [الإسراء : ٥٩] فيفسر مبصرة بأنها ذات بصر لم
__________________
(١) هذا التمثيل للغزالي على أحد تفسيرين ، والمثال يكفي فيه الفرض. وذكر الفخر في تفسير قوله تعالى : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ) [النساء : ٧٩] أنه جرى على معنى التعليم للتأدب مع الخالق وقوله : (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) [النساء : ٧٨] جرى مجرى بيان الحقيقة.