تكن عمياء ، فهذا من الرأي المذموم لفساده.
ثالثها : أن يكون له ميل إلى نزعة أو مذهب أو نحلة فيتأول القرآن على وفق رأيه ويصرفه عن المراد ويرغمه على تحمله ما لا يساعد عليه المعنى المتعارف ، فيجر شهادة القرآن لتقرير رأيه ويمنعه عن فهم القرآن حق فهمه ما قيّد عقله من التعصب ، عن أن يجاوزه فلا يمكنه أن يخطر بباله غير مذهبه حتى إن لمع له بارق حق وبدا له معنى يباين مذهبه حمل عليه شيطان التعصب حملة وقال كيف يخطر هذا ببالك ، وهو خلاف معتقدك؟ كمن يعتقد من الاستواء على العرش التمكن والاستقرار ، فإن خطر له أن معنى قوله تعالى : (الْقُدُّوسُ) [الحشر : ٢٣] أنه المنزه عن كل صفات المحدثات حجبه تقليده عن أن يتقرر ذلك في نفسه ، ولو تقرر لتوصل فهمه فيه إلى كشف معنى ثان أو ثالث ، ولكنه يسارع إلى دفع ذلك عن خاطره لمناقضته مذهبه. وجمود الطبع على الظاهر مانع من التوصل للغور. كذلك تفسير المعتزلة قوله : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) [القيامة : ٢٣] بمعنى أنها تنتظر نعمة ربها على أن إلى واحد الآلاء مع ما في ذلك من الخروج عن الظاهر وعن المأثور وعن المقصود من الآية.
وقالت البيانيّة في قوله تعالى : (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ) [آل عمران : ١٣٨] إنه بيان ابن سمعان كبير مذهبهم (١). وكانت المنصورية أصحاب أبي منصور الكسف (٢) يزعمون أن المراد من قوله تعالى : (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ) [الطور : ٤٤] أن الكسف إمامهم نازل من السماء ، وهذا إن صح عنهم ولم يكن من ملصقات أضدادهم فهو تبديل للقرآن ومروق عن الدين.
رابعها : أن يفسر القرآن برأي مستند إلى ما يقتضيه اللفظ ثم يزعم أن ذلك هو المراد دون غيره لما في ذلك من التضييق على المتأولين.
خامسها : أن يكون القصد من التحذير أخذ الحيطة في التدبر والتأويل ونبذ التسرع
__________________
(١) وهو بيان بن سمعان التميمي ، والبيانية من غلاة الشيعة ، يقولون بالحلول وبإلهية علي والحسن والحسين ومحمد بن الحنفية. صلب خالد بن عبد الله القسري بيانا هذا سنة ١١٩ ه بالكوفة.
(٢) هو أبو منصور العجلي الملقب بالكشف ـ بكسر الكاف وسكون السين ـ زعم أنه خليفة الباقر وزعم أنه عرج إلى السماء وتلقى من الله الإذن بأن يبلغ عنه وأنه المراد بقوله تعالى : (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ) [الطور : ٤٤] قتله يوسف بن عمر الثقفي أمير العراق بين سنة ١٢٠ و ١٢٦ ه.