منظور فيه ابتداء إلى معنى البذل والفعل ابتاع منظور فيه ابتداء إلى معنى الأخذ فإن اعتبره المتكلم آخذا لما صار بيده عبّر عنه بمبتاع ومشتر ، وإن اعتبره باذلا لما خرج من يده من العوض ، عبّر عنه ببائع وشار ، وبهذا يكون الفعلان جاريين على سنن واحد ، وقد ذكر كثير من اللغويين أن شرى يستعمل بمعنى اشترى والذي جرّأهم على ذلك سوء التأمل في قوله تعالى : (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ) [يوسف : ٢٠] فتوهموا الضمير عائدا إلى المصريين مع أن معاده واضح قريب وهو سيارة من قوله تعالى : (وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ) [يوسف : ١٩] أي باعوه ، وحسبك شاهدا على ذلك قوله : (وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) [يوسف : ٢٠] أما الذي اشتراه فهو فيه من الراغبين ألا ترى إلى قوله لامرأته : (أَكْرِمِي مَثْواهُ) [يوسف : ٢١].
وعلى ذينك الاعتبارين في فعلي الشراء والبيع كانت تعديتهما إلى المفعول فهما يتعديان إلى المقصود الأصلي بأنفسهما وإلى غيره بالباء فيقال باع فرسه بألف وابتاع فرس فلان بألف لأن الفرس هو الذي كانت المعاقدة لأجله لأن الذي أخرجه ليبيعه علم أن الناس يرغبون فيه والذي جاء ليشتريه كذلك.
وإطلاق الاشتراء هاهنا مجاز مرسل بعلاقة اللزوم ، أطلق الاشتراء على لازمه الثاني وهو الحرص على شيء والزهد في ضده أي حرصوا على الضلالة ، وزهدوا في الهدى إذ ليس في ما وقع من المنافقين استبدال شيء بشيء إذ لم يكونوا من قبل مهتدين.
ويجوز أن يكون الاشتراء مستعملا في الاستبدال وهو لازمه الأول واستعماله في هذا اللازم مشهور. قال بشامة بن حزن :
إنّا بني نهشل لا ندّعي لأب |
|
عنه ولا هو بالأبناء يشرينا |
أي يبيعنا أي يبدلنا ، وقال عنترة بن الأخرس المعني من شعراء «الحماسة» :
ومن إن بعت منزلة بأخرى |
|
حللت بأمره وبه تسير |
أي إذا استبدلت دارا بأخرى. وهذا بخلاف قول أبي النجم :
أخذت بالجمة رأسا أزعرا |
|
وبالطويل العمر عمرا جيدرا |
فيكون الحمل عليه هنا أن اختلاطهم كما اشترى المسلم إذ تنصرا بالمسلمين وإظهارهم الإيمان حالة تشبه حال المهتدي تلبّسوا بها فإذا خلوا إلى شياطينهم طرحوها واستبدلوها بحالة الضلال وعلى هذا الوجه الثاني يصح أيضا أن يكون الاشتراء استعارة بتشبيه تينك الحالتين بحال المشتري لشيء كان غير جائز له وارتضاه في «الكشاف».