سأشكر عمرا إن تراخت منيتي |
|
أيادي لم تمنن وإن هي جلّت |
فتى غير محجوب الغنى عن صديقه |
|
ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلت |
وسمى السكاكي هذا الحذف «الحذف الذي اتبع فيه الاستعمال الوارد على تركه». والإخبار عنهم بهذه الأخبار جاء على طريقة التشبيه البليغ شبهوا في انعدام آثار الإحساس منهم بالصم البكم العمي أي كل واحد منهم اجتمعت له الصفات الثلاث وذلك شأن الأخبار الواردة بصيغة الجمع بعد مبتدأ هو اسم دال على جمع ، فالمعنى كل واحد منهم كالأصم الأبكم الأعمى وليس المعنى على التوزيع فلا يفهم أن بعضهم كالأصم وبعضهم كالأبكم وبعضهم كالأعمى ، وليس هو من الاستعارة عند محققي أهل البيان. قال صاحب «الكشاف» : «فإن قلت هل يسمى ما في الآية استعارة قلت مختلف فيه والمحققون على تسميته تشبيها بليغا لا استعارة لأن المستعار له مذكور وهم المنافقون» ا ه أي لأن الاستعارة تعتمد على لفظ المستعار منه أو المستعار له في جملة الاستعارة فمتى ذكرا معا فهو تشبيه ، ولا يضر ذكر لفظ المستعار له في غير جملة الاستعارة لظهور أنه لو لا العلم بالمستعار له في الكلام لما ظهرت الاستعارة ولذلك اتفقوا على أن قول ابن العميد :
قامت تظللني من الشمس |
|
نفس أعزّ عليّ من نفسي |
قامت تظللني ومن عجب |
|
شمس تظللني من الشمس |
أن قوله شمس استعارة ولم يمنعهم من ذلك ذكر المستعار له قبل في قوله نفس أعز ، وضميرها في قوله قامت تظللني وكذا إذا لفظ المستعار غير مقصود ابتناء التشبيه عليه لم يكن مانعا من الاستعارة كقول أبي الحسن ابن طباطبا :
لا تعجبوا من بلى غلالته |
|
قد زرّ أزراره على القمر |
فإن الضمير لم يذكر ليبنى عليه التشبيه بل جاء التشبيه عقبه.
والصم والبكم والعمى جمع أصم وأعمى وأبكم وهم من اتصف بالصمم والبكم والعمي ، فالصمم انعدام إحساس السمع عمن من شأنه أن يكون سميعا ، والبكم انعدام النطق عمن من شأنه النطق ، والعمي انعدام البصر عمن من شأنه الإبصار.
وقوله : (فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) تفريع على جملة : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) لأن من اعتراه هذه