وهم في الغالب لا يكررونه في العطف.
والتمثيل هنا لحال المنافقين حين حضورهم مجلس رسول الله صلىاللهعليهوسلم وسماعهم القرآن وما فيه من آي الوعيد لأمثالهم وآي البشارة ، فالغرض من هذا التمثيل تمثيل حالة مغايرة للحالة التي مثّلت في قوله تعالى : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ) [البقرة : ١٧] بنوع إطلاق وتقييد.
فقوله : (أَوْ كَصَيِّبٍ) تقديره أو كفريق ذي صيب أي كقوم على نحو ما تقدم في قوله : (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ) دل على تقدير قوم قوله : (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) وقوله : (يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ) [البقرة : ٢٠]. الآية ، لأن ذلك لا يصح عوده إلى المنافقين فلا يجيء فيه ما جاز في قوله : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) [البقرة : ١٧] إلخ. فشبهت حال المنافقين بحال قوم سائرين في ليل بأرض قوم أصابها الغيث وكان أهلها كانّين في مساكنهم كما علم ذلك من قوله : (كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ) [البقرة : ٢٠] فذلك الغيث نفع أهل الأرض ولم يصبهم ممّا اتصل به من الرعد والصواعق ضر ولم ينفع المارين بها وأضرّ بهم ما اتصل به من الظلمات والرعد والبرق ، فالصيب مستعار للقرآن وهدى الإسلام وتشبيهه بالغيث وارد. وفي الحديث الصحيح : «مثل ما بعثني الله به من الهدى كمثل الغيث أصاب أرضا فكان منها نقيّة» إلخ. وفي القرآن : (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ) [الحديد : ٢٠]. ولا تجد حالة صالحة لتمثيل هيئة اختلاط نفع وضر مثل حالة المطر والسحاب وهو من بديع التمثيل القرآني ، ومنه أخذ أبو الطيب قوله :
فتى كالسحاب الجون يرجى ويتّقى |
|
يرجّى الحيا منه وتخشى الصواعق |
والظلمات مستعار لما يعتري الكافرين من الوحشة عند سماعه كما تعتري السائر في الليل وحشة الغيم لأنه يحجب عنه ضوء النجوم والقمر ، والرعد لقوارع القرآن وزواجره ، والبرق لظهور أنوار هديه من خلال الزواجر فظهر أن هذا المركب التمثيلي صالح لاعتبارات تفريق التشبيه وهو أعلى التمثيل.
والصيب فيعل من صاب يصوب صوبا إذا نزل بشدة ، قال المرزوقي إن ياءه للنقل من المصدرية إلى الاسمية فهو وصف للمطر بشدة الظلمة الحاصلة من كثافة السحاب ومن ظلام الليل.
والظاهر أن قوله : (مِنَ السَّماءِ) ليس بقيد للصيب وإنما هو وصف كاشف جيء به