بهم إحاطة الظرف بالمظروف. واستعارة (في) لمعنى الملابسة شائعة في كلام العرب كقولهم هو في نعمة.
وأتى بفعل نزّل دون أنزل لأن القرآن نزل نجوما. وقد تقدم في أول التفسير أن فعّل يدل على التقضي شيئا فشيئا على أن صاحب «الكشاف» قد ذكر أن اختياره هنا في مقام التحدي لمراعاة ما كانوا يقولون (لَوْ لا نُزِّلَ)(١)(عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) [الفرقان : ٣٢] فلما كان ذلك من مثارات شبههم ناسب ذكره في تحديهم أن يأتوا بسورة مثله منجمة.
والسورة قطعة من القرآن معينة فتميزه عن غيرها من أمثالها بمبدإ ونهاية تشتمل على ثلاث آيات فأكثر في غرض تام أو عدة أغراض. وجعل لفظ سورة اسما جنسيا لأجزاء من القرآن اصطلاح جاء به القرآن. وهي مشتقة من السور وهو الجدار الذي يحيط بالقرية أو الحظيرة ، فاسم السورة خاص بالأجزاء المعينة من القرآن دون غيره من الكتب وقد تقدم تفصيله في المقدمة الثامنة من مقدمات هذا التفسير ، وإنما كان التحدي بسورة ولم يكن بمقدار سورة من آيات القرآن لأن من جملة وجوه الإعجاز أمورا لا تظهر خصائصها إلا بالنظر إلى كلام مستوفى في غرض من الأغراض وإنما تنزل سور القرآن في أغراض مقصودة فلا غنى عن مراعاة الخصوصيات المناسبة لفواتح الكلام وخواتمه بحسب الغرض ، واستيفاء الغرض المسوق له الكلام ، وصحة التقسيم ، ونكت الإجمال والتفصيل ، وأحكام الانتقال من فن إلى آخر من فنون الغرض ، ومناسبات الاستطراد والاعتراض والخروج والرجوع ، وفصل الجمل ووصلها ، والإيجاز والإطناب ، ونحو ذلك مما يرجع إلى نكت مجموع نظم الكلام ، وتلك لا تظهر مطابقتها جلية إلا إذا تم الكلام واستوفى الغرض حقه ، فلا جرم كان لنظم القرآن وحسن سبكه إعجاز يفوت قدرة البشر هو غير الإعجاز الذي لجمله وتراكيبه وفصاحة ألفاظه. فكانت السورة من القرآن بمنزلة خطبة الخطيب وقصيدة الشاعر لا يحكم لها بالتفوق إلا باعتبارات مجموعها بعد اعتبار أجزائها. قال الطيبي في «حاشية الكشاف» عند قوله تعالى : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ) في سورة الأنفال [١٧] ، «ولسر النظم القرآني كان التحدي بالسورة وإن كانت قصيرة دون الآيات وإن كانت ذوات عدد».
والتنكير للإفراد أو النوعية ، أي بسورة واحدة من نوع السور وذلك صادق بأقل
__________________
(١) في المطبوعة : أنزل.