اعتباره منفيا فيكون معنى الشرط متسلطا على (لم) وفعلها فظهر أن ليس هذا متنازع بين إن ولم في العمل في (تَفْعَلُوا) لاختلاف المعنيين فلا يفرض فيه الاختلاف الواقع بين النحاة في صحة تنازع الحرفين معمولا واحدا كما توهمه ابن العلج أحد نحاة الأندلس نسبه إليه في «التصريح على التوضيح (١)» على أن الحق أنه لا مانع منه مع اتحاد الاقتضاء من حيث المعنى وقد أخذ جوازه من كلام أبي علي الفارسي في «المسائل الدمشقيات» ومن كتاب «التذكرة» له أنه جعل قول الراجز :
حتى تراها وكأنّ وكأن |
|
أعناقها مشرّفات في قرن |
من قبيل التنازع بين كأنّ المشددة وكأن المخففة.
وقوله : (فَاتَّقُوا النَّارَ) أثر لجواب الشرط في قوله : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) دل على جمل محذوفة للإيجاز لأن جواب الشرط في المعنى هو ما جيء بالشرط لأجله وهو مفاد قوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا) [البقرة : ٢٣] ، فتقدير جواب قوله (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) أنه : فأيقنوا بأن ما جاء به محمد منزل من عندنا وأنه صادق فيما أمركم به من وجوب عبادة الله وحده واحذروا إن لم تمتثلوا أمره عذاب النار ، فوقع قوله : (فَاتَّقُوا النَّارَ) موقع الجواب لدلالته عليه وإيذانه به وهو إيجاز بديع وذلك أن اتقاء النار لم يكن مما يؤمنون به من قبل لتكذيبهم بالبعث فإذا تبين صدق الرسول لزمهم الإيمان بالبعث والجزاء.
وإنما عبّر بلم تفعلوا ولن تفعلوا دون فإن لم تأتوا بذلك ولن تأتوا كما في قوله تعالى : (ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ) إلى قوله : (فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ) [يوسف : ٥٩ ، ٦٠] إلخ لأن في لفظ (تَفْعَلُوا) هنا من الإيجاز ما ليس مثله في الآية الأخرى إذ الإتيان المتحدّى به في هذه الآية إتيان مكيف بكيفية خاصة وهي كون المأتيّ به مثل هذا القرآن ومشهودا عليه ومستعانا عليه بشهدائهم فكان في لفظ (تَفْعَلُوا) من الإحاطة بتلك الصفات والقيود إيجاز لا يقتضيه الإتيان الذي في سورة يوسف.
والوقود بفتح الواو اسم لما يوقد به ، وبالضم مصدر وقيل بالعكس ، وقال ابن عطية حكي الضم والفتح في كل من الحطب والمصدر. وقياس فعول بفتح الفاء أنه اسم لما
__________________
(١) قل من يعرف اسمه ، ولم يترجم له في «البغية». وهو محمد بن عبد الله الإشبيلي له كتاب «البسيط في النحو».