فما بالنا نرى كثيرا من أهل النقد قد نقدوا من كلام البلغاء ما اشتمل على مثل هذا كقول الفرزدق :
من عزّهم حجرت كليب بيتها |
|
زربا كأنهم لديه القمّل |
وقول أبي الطيب :
أماتكم من قبل موتكم الجهل |
|
وجركم من خفة بكم النمل |
وقول الطرمّاح :
ولو أن برغوثا على ظهر قملة |
|
يكرّ على ضبعي تميم لولّت |
قلت أصول الانتقاد الأدبي تؤول إلى بيان ما لا يحسن أن يشتمل عليه كلام الأديب من جانب صناعة الكلام ، ومن جانب صور المعاني ، ومن جانب المستحسن منها والمكروه وهذا النوع الثالث يختلف باختلاف العوائد ومدارك العقول وأصالة الأفهام بحسب الغالب من أحوال أهل صناعة الأدب ، ألا ترى أنه قد يكون اللفظ مقبولا عند قوم غير مقبول عند آخرين ، ومقبولا في عصر مرفوضا في غيره ، ألا ترى إلى قول النابغة يخاطب الملك النعمان :
فإنك كالليل الذي هو مدركي |
|
وإن خلت أن المنتأى عنك واسع |
فإن تشبيه الملك بالليل لو وقع في زمان المولدين لعدّ من الجفاء أو العجرفة ، وكذلك تشبيههم بالحية في الإقدام وإهلاك العدو في قول ذي الإصبع :
عذير الحي من عدوا |
|
ن كانوا حيّة الأرض |
وقول النابغة في رثاء الحارث الغسّاني :
ما ذا رزئنا به من حيّة ذكر |
|
نضناضة بالرزايا صلّ أصلال |
وقد زعم بعض أهل الأدب أن عليّا بن الجهم مدح الخليفة المتوكل بقوله :
أنت كالكلب في وفائك بالعه |
|
د وكالتيس في قراع الخطوب |
وأنه لما سكن بغداد وعلقت نضارة الناس بخياله قال في أول ما قاله :
عيون المها بين الرصافة والجسر |
|
جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري (١) |
__________________
(١) انظر : صفحة ٤ جزء ٣ من «محاضرات الأبرار» لابن عربي طبع حجر بمطبعة شعراوي سنة ١٢٨٢ ه بالقاهرة.