عليه أيضا قول بعض شعراء عبد القيس أو غيره :
ولست لإنسيّ ولكن لملأك |
|
تنزّل من جوّ السّماء يصوّب (١) |
ثم قالوا ملك تخفيفا.
وقد اختلفوا في اشتقاقه فقال أبو عبيدة هو مفعل من لأك بمعنى أرسل ومنه قولهم في الأمر بتبليغ رسالة ألكني إليه أي كن رسولي إليه وأصل ألكني ألئكني وإن لم يعرف له فعل. وإنما اشتق اسم الملك من الإرسال لأن الملائكة رسل الله إما بتبليغ أو تكوين كما في الحديث : «ثم يرسل إليه (أي للجنين في بطن أمه) الملك فينفخ فيه الروح» ، فعلى هذا القول هو مصدر ميمي بمعنى اسم المفعول ، وقال الكسائي هو مقلوب ووزنه الآن معفل وأصله مألك من الألوك والألوكة وهي الرسالة ويقال مألك ومألكة (بفتح اللام وضمها) فقلبوا فيه قلبا مكانيا فقالوا ملأك فهو صفة مشبهة. وقال ابن كيسان هو مشتق من الملك (بفتح الميم وسكون اللام) والملك بمعنى القوة قال تعالى : (عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ) [التحريم : ٦] والهمزة مزيدة فوزنه فعأل بسكون العين وفتح الهمزة كشمأل ، ورد بأن دعوى زيادة حرف بلا فائدة دعوى بعيدة ، ورد مذهب الكسائي بأن القلب خلاف الأصل ، فرجح مذهب أبي عبيدة ، ونقل القرطبي عن النضر بن شميل أنه قال لا اشتقاق للملك عند العرب يريد أنهم عرّبوه من اللغة العبرانية ويؤيده أن التوراة سمت الملك ملاكا بالتخفيف ، وليس وجود كلمة متقاربة اللفظ والمعنى في لغتين بدال على أنها منقولة من إحداهما إلى الأخرى إلا بأدلة أخرى.
والملائكة مخلوقات نورانية سماوية مجبولة على الخير قادرة على التشكل في خرق العادة لأن النور قابل للتشكل في كيفيات ولأن أجزاءه لا تتزاحم ونورها لا شعاع له فلذلك لا تضىء إذا اتصلت بالعالم الأرضي وإنما تتشكل إذا أراد الله أن يظهر بعضهم لبعض رسله وأنبيائه على وجه خرق العادة. وقد جعل الله تعالى لها قوة التوجه إلى الأشياء التي يريد الله تكوينها فتتولى التدبير لها ولهذه التوجهات الملكية حيثيات ومراتب كثيرة تتعذر الإحاطة بها وهي مضادة لتوجهات الشياطين ، فالخواطر الخيرية من توجهات
__________________
(١) قال أبو عبيدة البيت لشاعر جاهلي من عبد القيس يمدح بعض الملوك كما في «الصحاح» ، وقيل : الممدوح النعمان ، وقال ابن السيرافي : البيت لأبي وجزة يمدح عبد الله بن الزبير. قلت ذكر ابن السيرافي في «شرح أبيات صلاح المنطق» القولين ولم يقتصر على ما نسبه إليه «شارح القاموس» ، وأنشده الكسائي لعلقمة بن عبدة يمدح الحارث بن جبلة بن أبي شمر.