لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا) [البقرة : ٣٤] إذ وجود فاء التعقيب يمنع من جعل الظرف متعلقا بمدخولها ، ولأن الأظهر أن قوله : (قالُوا) حكاية للمراجعة والمحاورة على طريقة أمثاله كما سنحققه. فالذي ينساق إليه أسلوب النظم فيه أن يكون العطف على جملة : (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) [البقرة : ٢٩] أي خلق لكم ما في الأرض وقال للملائكة إني خالق أصل الإنسان لما قدمناه من أن ذكر خلق ما في الأرض وكونه لأجلنا يهيئ السامع لترقب ذكر شأننا بعد ذكر شأن ما خلق لأجلنا من سماء وأرض ، وتكون (إذ) على هذا مزيدة للتأكيد قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى وأنشد قول الأسود بن يعفر :
فإذ وذلك لا مهاه لذكره |
|
والدهر يعقب صالحا بفساد |
(هكذا رواه فإذ على أن يكون في البيت زحاف الطي ، وفي رواية فإذا فلا زحاف ، والمهاه بهاءين الحسن ولا يشكل عليه أن شأن الزيادة أن تكون في الحروف لأن إذ وإذا ونحوهما عوملت معاملة الحروف) ، أو أن يكون عطف القصة على القصة ويؤيده أنها تبتدأ بها القصص العجيبة الدالة على قدرة الله تعالى ، ألا ترى أنها ذكرت أيضا في قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) ولم تذكر فيما بينهما وتكون (إذ) اسم زمان مفعولا به بتقدير اذكر ، ونظيره كثير في القرآن ، والمقصود من تعليق الذكر والقصة بالزمان إنما هو ما حصل في ذلك الزمان من الأحوال. وتخصيص اسم الزمان دون اسم المكان لأن الناس تعارفوا إسناد الحوادث التاريخية والقصص إلى أزمان وقوعها.
وكلام الله تعالى للملائكة أطلق على ما يفهمون منه إرادته وهو المعبر عنه بالكلام النفسي فيحتمل أنه كلام سمعوه فإطلاق القول عليه حقيقة وإسناده إلى الله لأنه خلق ذلك القول بدون وسيلة معتادة ، ويحتمل أنه دال آخر على الإرادة ، فإطلاق القول عليه مجاز لأنه دلالة للعقلاء والمجاز فيه أقوى من المجاز الذي في نحو قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «اشتكت النار إلى ربها» وقوله تعالى : (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) [فصلت : ١١] وقول أبي النجم : «إذ قالت الآطال للبطن الحق» ، ولا طائل في البحث عن تعين أحد الاحتمالين.
والملائكة جمع ملك وأصل صيغة الجمع ملائكة والتاء لتأكيد الجمعية لما في التاء من الإيذان بمعنى الجماعة ، والظاهر أن تأنيث ملائكة سرى إلى لغة العرب من كلام المتنصرين منهم إذ كانوا يعتقدون أن الأملاك بنات الله واعتقده العرب أيضا قال تعالى : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ) [النحل : ٥٧] فملائك جمع ملأك كشمائل وشمأل ، ومما يدل