واعلم أن موقع الدليل بخلق آدم على الوحدانية هو أن خلق أصل النوع أمر مدرك بالضرورة لأن كل إنسان إذا لفت ذهنه إلى وجوده علم أنه وجود مسبوق بوجود أصل له بما يشاهد من نشأة الأبناء عن الآباء فيوقن أن لهذا النوع أصلا أول ينتهي إليه نشوؤه ، وإذ قد كانت العبرة بخلق ما في الأرض جميعا أدمجت فيها منة وهي قوله : (لَكُمْ) [البقرة : ٢٩] المقتضية أن خلق ما في الأرض لأجلهم تهيّأت أنفسهم لسماع قصة إيجاد منشأ الناس الذين خلقت الأرض لأجلهم ليحاط بما في ذلك من دلائل القدرة مع عظيم المنة وهي منة الخلق التي نشأت عنها فضائل جمة ومنّة التفضيل ومنة خلافة الله في الأرض ، فكان خلق أصلنا هو أبدع مظاهر إحيائنا الذي هو الأصل في خلق ما في الأرض لنا ، فكانت المناسبة في الانتقال إلى التذكير به واضحة مع حسن التخلص إلى ذكر خبره العجيب ، فإيراد واو العطف هنا لأجل إظهار استقلال هذه القصة في حد ذاتها في عظم شأنها.
و (إذ) من أسماء الزمان المبهمة تدل على زمان نسبة ماضية وقعت فيه نسبة أخرى ماضية قارنتها ، ف (إذ) تحتاج إلى جملتين جملة أصلية وهي الدالة على المظروف وتلك هي التي تكون مع جميع الظروف ، وجملة تبين الظرف ما هو ، لأن (إذ) لما كانت مبهمة احتاجت لما يبين زمانها عن بقية الأزمنة ، فلذلك لزمت إضافتها إلى الجمل أبدا ، والأكثر في الكلام أن تكون إذ في محل ظرف لزمن الفعل فتكون في محل نصب على المفعول فيه ، وقد تخرج (إذ) عن النصب على الظرفية إلى المفعولية كأسماء الزمان المتصرفة على ما ذهب إليه صاحب «الكشاف» وهو مختار ابن هشام خلافا لظاهر كلام الجمهور ، فهي تصير ظرفا مبهما متصرفا ، وقد يضاف إليها اسم زمان نحو يومئذ وساعتئذ فتجر بإضافة صورية ليكون ذكرها وسيلة إلى حذف الجملة المضافة هي إليها ، وذلك أن (إذ) ملازمة للإضافة فإذا حذفت جملتها علم السامع أن هنالك حذفا ، فإذا أرادوا أن يحذفوا جملة مع اسم زمان غير (إذ) خافوا أن لا يهتدي السامع لشيء محذوف حتى يتطلب دليله فجعلوا إذ قرينة على إضافة وحذفوا الجملة لينبهوا السامع فيتطلب دليل المحذوف.
وهي في هذه الآية يجوز أن تكون ظرفا وكذلك أعربها الجمهور وجعلوها متعلقة بقوله : (قالُوا) وهو يفضي إلى أن يكون المقصود من القصة قول الملائكة وذلك بعيد لأن المقصود من العبرة هو خطاب الله لهم وهو مبدأ العبرة وما تضمنته من تشريف آدم وتعليمه بعد الامتنان بإيجاد أصل نوع الناس الذي هو مناط العبرة من قوله : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ) [البقرة : ٢٨] الآيات ، ولأنه لا يتأتى في نظيرها وهو قوله الآتي : (وَإِذْ قُلْنا