تعرض صور من الذوات فقط ويسأل عن معرفة أسمائها أي معرفة الألفاظ الدالة عليها ، أو عن بيان مواهبها وخصائصها وإما بأن تعرض الذوات والمعاني بخلق أشكال دالة على المعاني كعرض الشجاعة في صورة فعل صاحبها والعلم في صورة إفاضة العالم في درسه أو تحريره كما نرى في الصور المنحوتة أو المدهونة للمعاني المعقولة عند اليونان والرومان والفرس والصور الذهنية عند الإفرنج ، بحيث يجد الملائكة عند مشاهدة تلك الهيئة أن المعروض معنى شجاعة أو معنى علم ويقرب ذلك ما يحصل في المرائي الحلمية. والحاصل أن الحال المذكورة في الآية حالة عالم أوسع من عالم المحسوسات والمادة.
وإعادة ضمير المذكر العاقل على المسميات في قوله : (عَرَضَهُمْ) للتغليب لأن أشرف المعروضات ذوات العقلاء وصفاتهم على أن ورود مثله بالألفاظ التي أصلها للعقلاء طريقة عربية نحو قوله تعالى : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) [الإسراء : ٣٦]. والداعي إلى هذا أن يعلم ابتداء أن المعروض غير الأسماء حتى لا يضل فهم السامع قبل سماع قرينة (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ).
وقوله تعالى : (فَقالَ أَنْبِئُونِي) تفريع على العرض وقرن بالفاء لذلك. والأمر في قوله : (أَنْبِئُونِي) أمر تعجيز بقرينة كون المأمور يعلم أن الآمر عالم بذلك فليس هذا من التكليف بالمحال كما ظنه بعض المفسرين. واستعمال صيغة الأمر في التعجيز مجاز ، ثم إن ذلك المعنى المجازي يستلزم علم الآمر بعجز المأمور وذلك يستلزم علم الآمر بالمأمور به.
والإنباء الإخبار بالنبإ وهو الخبر ذو الفائدة العظيمة والأهمية بحيث يحرص السامعون على اكتسابه ، ولذلك تضمن الإنباء معنى الإعلام لأن المخبر به يعد مما يعلم ويعتقد بوجه أخص من اعتقاد مطلق الخبر فهو أخص من الخبر.
وقوله : (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) إما أراد به إن كنتم صادقين في أنكم أفضل من هذا المخلوق إن كان قولهم : (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ) إلخ تعريضا بأنهم أحقاء بذلك ، أو أراد إن كنتم صادقين في عدم جدارة آدم بالخلافة كما دل عليه قولهم : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) [البقرة : ٣٠] كان قولهم : (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ) [البقرة : ٣٠] لمجرد التفويض أو الإعلان للسامعين من أهل الملأ الأعلى بالبراءة من شائبة الاعتراض على ما اخترناه.
ووجه الملازمة بين الإنباء بالأسماء وبين صدقهم فيما ادعوه التي اقتضاها ربط