«بكرا فالنجاح في التبكير» أجابه بشار بأنه أتى بها عربية بدوية ولو قال : «فالنجاح» لصارت من كلام المولدين (أي أجابه جوابا أحاله فيه على الذوق) وقد بين الشيخ عبد القاهر سببه. وقال الشيخ في موضع آخر (١) ألا ترى أن الغرض من قوله : «إن ذاك النجاح في التبكير» أن يبيّن المعنى في قوله لصاحبيه «بكرا» وأن يحتج لنفسه في الأمر بالتبكير ويبين وجه الفائدة منه» ا ه.
(والعليم) الكثير العلم وهو من أمثلة المبالغة على الصحيح ويجوز كونه صفة مشبهة على تقدير تحويل علم ـ المكسور اللام ـ إلى علم بضم اللام ليصير من أفعال السجايا نحو ما قررناه في الرحيم ونحن في غنية عن هذا التكلف إذ لا ينبغي أن يبقى اختلاف في أن وزن فعيل يجيء لمعنى المبالغة وإنما أنشأ هذه التمحلات من زعموا أن فعيلا لا يجيء للمبالغة.
(الحكيم) فعيل من أحكم إذا أتقن الصنع بأن حاطه من الخلل. وأصل مادة حكم في كلام العرب للمنع من الفساد والخلل ومنه حكمة الدابة (بالتحريك) للحديدة التي توضع في فم الفرس لتمنعه من اختلال السير ، وأحكم فلان فلانا منعه قال جرير :
أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم |
|
إني أخاف عليكم أن أغضبا |
والحكمة بكسر الحاء ضبط العلم وكماله ، فالحكيم إما بمعنى المتقن للأمور كلها أو بمعنى ذي الحكمة وأيّا ما كان فقد جرى بوزن فعيل على غير فعل ثلاثي وذلك مسموع قال عمرو بن معديكرب :
أمن ريحانة الدّاعي السّميع |
|
يؤرقني وأصحابي هجوع |
ومن شواهد النحو ما أنشده أبو علي ولم يعزه :
فمن يك لم ينجب أبوه وأمه |
|
فإن لنا الأمّ النجيبة والأب |
أراد الأم المنجبة بدليل قوله لم ينجب أبوه وفي القرآن (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [البقرة : ١١٧] ووصف الحكيم والعرب تجري أوزان بعض المشتقات على بعض فلا حاجة إلى التكلف بتأول (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ببديع سماواته وأرضه أي على أن (أل) عوض عن المضاف إليه فتكون الموصوف بحكيم هو السماوات والأرض وهي محكمة
__________________
(١) صفحة ٢٣٢.