ومنعوه من الصرف للعلمية وزيادة الألف والنون قال سيبويه : وأما ترك تنوين (سبحان) فلأنه صار عندهم معرفة وقول الملائكة : (لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) خبر مراد منه الاعتراف بالعجز لا الإخبار عن حالهم لأنهم يوقنون أن الله يعلم ما تضمنه كلامهم. ولا أنهم قصدوا لازم الفائدة وهي أن المخبر عالم بالخبر فتعين أن الخبر مستعمل في الاعتراف.
ثم إن كلامهم هذا يدل على أن علومهم محدودة غير قابلة للزيادة فهي مقصورة على ما ألهمهم الله تعالى وما يأمرهم ، فللملائكة علم قبول المعاني لا علم استنباطها.
وفي تصدير كلامهم بسبحانك إيماء إلى الاعتذار عن مراجعتهم بقولهم : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) [البقرة : ٣٠] فهو افتتاح من قبيل براعة الاستهلال عن الاعتذار. والاعتذار وإن كان يحصل بقولهم : (لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) لكن حصول ذلك منه بطريق الكناية دون التصريح ويحصل آخرا لا ابتداء فكان افتتاح كلامهم بالتنزيه تعجيلا بما يدل على ملازمة جانب الأدب العظيم (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) ساقوه مساق التعليل لقولهم (لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) لأن المحيط علمه بكل شيء المحكم لكل خلق إذا لم يجعل لبعض مخلوقاته سبيلا إلى علم شيء لم يكن لهم قبل بعلمه إذ الحصول بقدر القبول والاستعداد أي فلا مطمع لنا في تجاوز العلم إلى ما لم تهيئ لنا علمه بحسب فطرتنا. والذي دل على أن هذا القول مسوق للتعليل وليس مجرد ثناء هو تصديره بإن في غير مقام رد إنكار ولا تردد.
قال الشيخ في «دلائل الإعجاز» (١) ومن شأن إنّ إذا جاءت على هذا الوجه (أي أن تقع إثر كلام وتكون لمجرد الاهتمام) أن تغني غناء الفاء العاطفة (مثلا) وأن تفيد من ربط الجملة بما قبلها أمرا عجيبا فأنت ترى الكلام بها مقطوعا موصولا ، وأنشد قول بشار :
بكّرا صاحبيّ قبل الهجير |
|
إنّ ذاك النجاح في التبكير |
وقول بعض العرب :
فغنّها وهي لك الفداء |
|
إنّ غناء الإبل الحداء |
فإنهما استغنيا بذكر إنّ عن الفاء ، وإن خلفا الأحمر لما سأل بشارا لما ذا لم يقل :
__________________
(١) صفحة ١٩٧ طبع المنار.