التمانع لتقرير معنى قوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء : ٢٢] وكتقرير مسألة المتشابه لتحقيق معنى نحو قوله تعالى : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ) [الذاريات : ٤٧] فهذا كونه من غايات التفسير واضح ، وكذا قوله تعالى : (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ) [ق : ٦] فإن القصد منه الاعتبار بالحالة المشاهدة فلو زاد المفسر ففصل تلك الحالة وبين أسرارها وعللها بما هو مبين في علم الهيئة كان قد زاد المقصود خدمة.
وإمّا على وجه التوفيق بين المعنى القرآني وبين المسائل الصحيحة من العلم حيث يمكن الجمع. وإما على وجه الاسترواح من الآية كما يؤخذ من قوله تعالى : (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ) [الكهف : ٤٧] أن فناء العالم يكون بالزلازل ، ومن قوله : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) [التكوير : ١] الآية أن نظام الجاذبية يختل عند فناء العالم. وشرط كون ذلك مقبولا أن يسلك فيه مسلك الإيجاز فلا يجلب إلا الخلاصة من ذلك العلم ولا يصير الاستطراد كالغرض المقصود له لئلا يكون كقولهم السّي بالسّيّ يذكر (١).
وللعلماء في سلوك هذه الطريقة الثالثة على الإجمال آراء ، فأما جماعة منهم فيرون من الحسن التوفيق بين العلوم غير الدينية وآلاتها وبين المعاني القرآنية ، ويرون القرآن مشيرا إلى كثير منها. قال ابن رشد الحفيد في «فصل المقال» : «أجمع المسلمون على أن ليس يجب أن تحمل ألفاظ الشرع كلها على ظاهرها ، ولا أن تخرج كلها عن ظاهرها بالتأويل ، والسبب في ورود الشرع بظاهر وباطن هو اختلاف نظر الناس وتباين قرائحهم في التصديق» وتخلّص إلى القول بأن بين العلوم الشرعية والفلسفية اتصالا. وإلى مثل ذلك ذهب قطب الدين الشيرازي في «شرح حكمة الإشراق» ، وهذا الغزالي والإمام الرازي وأبو بكر ابن العربي وأمثالهم صنيعهم يقتضي التبسط وتوفيق المسائل العلمية ، فقد ملئوا كتبهم من الاستدلال على المعاني القرآنية بقواعد العلوم الحكمية وغيرها ، وكذلك الفقهاء في كتب «أحكام القرآن» ، وقد علمت ما قاله ابن العربي فيما أملاه على سورة نوح وقصة الخضر ، وكذلك ابن جني والزجاج وأبو حيان قد أشبعوا «تفاسيرهم» من الاستدلال على القواعد العربية ، ولا شك أن الكلام الصادر عن علام الغيوب تعالى وتقدس لا تبنى معانيه على فهم طائفة واحدة ولكن معانيه تطابق الحقائق ، وكل ما كان من الحقيقة في علم من
__________________
(١) السي : بسين مهملة مكسورة وتحتية مشددة النظير والمثيل.