أنها بستان في فلسطين أو هو بين فارس وكرمان ، وأحسب أن هذا ناشئ عن تطلبهم تعيين المكان الذي ذكر ما يسمى في التوراة باسم عدن.
ففي التوراة في الإصحاح الثاني من سفر التكوين «وأخذ الرب الإله آدم ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها ـ ثم قالت ـ فأخرجه الرب الإله من جنة عدن ليعمل الأرض التي أخذ منها» وهذا يقتضي أن جنة عدن ليست في الأرض لكن الذي عليه شراح التوراة أن جنة عدن في الأرض وهو ظاهر وصف نهر هذه الجنة الذي يسقيها بأنه نهر يخرج من عدن فيسقي الجنة ومن هناك ينقسم فيصير أربعة رءوس اسم الواحد (قيشون) وهو المحيط بجميع أرض الحويلة وهم من بني كوش كما في الإصحاح من التكوين واسم النهر الثاني (جيحون) وهو المحيط بجميع أرض كوش ، واسم النهر الثالث (حدّا قل) وهو الجاري شرق أشور (دجلة). والنهر الرابع الفرات.
ولم أقف على ضبط عدن هذه. ورأيت في كتاب عبد الحق الإسلامي السبتي الذي كان يهوديا وأسلم وألف كتابا في الرد على اليهود سماه «الحسام المحدود في الرد على اليهود» كتبه بغيدن وضبطه بالعلامات بكسر الغين المعجمة وكسر الدال المهملة ولعل النقطة على حرف العين سهو من الناسخ فذلك هو منشأ قول القائلين أنها بعدن أو بفلسطين أو بين فارس وكرمان ، والذي ألجأهم إلى ذلك أن جنة الثواب دار كمال لا يناسب أن يحصل فيها العصيان وأنها دار خلد لا يخرج ساكنها ، وهو التجاء بلا ملجئ لأن ذلك من أحوال سكان الجنة لا لتأثير المكان وكلّه جعل الله تعالى عند ما أراده.
واحتج أهل السنة بأن أل في (الجنة) للعهد الخارجي ولا معهود غيرها ، وإنما تعين كونها للعهد الخارجي لعدم صحة الحمل على الجنس بأنواعه الثلاثة ، إذ لا معنى للحمل على أنها لام الحقيقة لأنها قد نيط بها فعل السكنى ولا معنى لتعلقه بالحقيقة بخلاف نحو الرجل خير من المرأة ، ولا معنى للحمل على العهد الذهني إذ الفرد من الحقيقة هنا مقصود معين لأن الأمر بالإسكان جزاء وإكرام فلا بد أن يكون متعلقا بجنة معروفة ، ولا معنى للحمل على الاستغراق لظهور ذلك. ولما كان المقصود هو الجزاء تعين أن يكون متعلقا بأمر معين معهود ولا معهود إلا الجنة المعروفة لا سيما وهو اصطلاح الشرع.
وقد يقال يختار أن اللام للعهد ولعل المعهود لآدم هو جنة في الأرض معينة أشير إليها بتعريف العهد ولذلك أختار أنا أن قوله تعالى : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) لما كان المقصود منه القصص لنا حكي بالألفاظ المتعارفة لدينا ترجمة لألفاظ اللغة التي