خوطب بها آدم أو عن الإلهام الذي ألقي إلى آدم فيكون تعريف (الجنة) منظورا فيه إلى متعارفنا فيكون آدم قد عرف المراد من مسكنه بطريق آخر غير التعريف ويكون قد حكي لنا ذلك بطريقة التعريف لأن لفظ الجنة المقترن في كلامنا بلام التعريف يدل على عين ما دل عليه الطريق الآخر الذي عرف به آدم مراد الله تعالى ، أي قلنا له اسكن البقعة التي تسمونها أنتم اليوم بالجنة ، والحاصل أن الأظهر أن الجنة التي أسكنها آدم هي الجنة المعدودة دارا لجزاء المحسنين.
ومعنى الأكل من الجنة من ثمرها لأن الجنة تستلزم ثمارا وهي مما يقصد بالأكل ولذلك تجعل (من) تبعيضية بتنزيل بعض ما يحويه المكان منزلة بعض لذلك المكان. ويجوز أن تكون (من) ابتدائية إشارة إلى أن الأكل المأذون فيه أكل ما تثمره تلك الجنة كقولك هذا الثّمر من خيبر.
والرغد وصف لموصوف دل عليه السياق أي أكلا رغدا ، والرغد الهنيء الذي لا عناء فيه ولا تقتير.
وقوله : (حَيْثُ شِئْتُما) ظرف مكان أي من أي مواضع أردتما الأكل منها ، ولما كانت مشيئتهما لا تنحصر بمواضع استفيد العموم في الإذن بطريق اللزوم ، وفي جعل الأكل من الثمر من أحوال آدم وزوجه بين إنشائها تنبيه على أن الله جعل الاقتيات جبلة للإنسان لا تدوم حياته إلا به.
وقوله : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) يعني به ولا تأكلا من الشجرة لأن قربانها إنما هو لقصد الأكل منها فالنهي عن القربان أبلغ من النهي عن الأكل لأن القرب من الشيء ينشئ داعية وميلا إليه ففيه الحديث «من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه» وقال ابن العربي سمعت الشاشي في مجلس النظر يقول : (إذا قيل لا تقرب (بفتح الراء) كان معناه لا تتلبس بالفعل ، وإذا قيل بضم الراء كان معناه لا تدن منه) ا ه. وهو غريب فإن قرب وقرب نحو كرم وسمع بمعنى دنا ، فسواء ضممت الراء أو فتحتها في المضارع فالمراد النهي عن الدنو إلا أن الدنو بعضه مجازي وهو التلبس وبعضه حقيقي ولا يكون للمجازي وزن خاص في الأفعال وإلا لصار من المشترك لا من الحقيقة والمجاز ، اللهم إلا أن يكون الاستعمال خص المجازي ببعض التصاريف فتكون تلك الزنة قرينة لفظية للمجاز وذلك حسن وهو من محاسن فروق استعمال الألفاظ المترادفة في اللغة العربية مثل تخصيص بعد مكسور العين بالانقطاع التام وبعد مضموم العين بالتنحّي عن