يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ) في سورة العنكبوت [٥٠ ، ٥١]. وسمّى أجزاءه آيات فقال : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا) [الحج : ٧٢] وقال : (المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُ) [الرعد : ١] لأن كل سورة من القرآن يعجز البشر عن الإتيان بمثلها كما قال تعالى : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) [البقرة : ٢٣] ، فكان دالا على صدق الرسول فيما جاء به وكانت جمله آيات لأن بها بعض المقدار المعجز ، ولم تسم أجزاء الكتب السماوية الأخرى آيات ، وأما ما ورد في حديث الرجم أن ابن صوريا حين نشر التوراة وضع يده على آية الرجم فذلك على تشبيه الجزء من التوراة بالجزء من القرآن وهو من تعبير راوي الحديث.
وأصل الآية عند سيبويه فعلة بالتحريك أيية أو أوية على الخلاف في أنها واوية أو يائية مشتقة من أي الاستفهامية أو من أوى (١) فلما تحرك حرفا العلة فيها قلب أحدهما وقلب الأول تخفيفا على غير قياس لأن قياس اجتماع حرفي علة صالحين للإعلال أن يعل ثانيهما إلا ما قل من نحو آية وقاية وطاية وثاية وراية (٢).
فالمراد بآياتنا هنا آيات القرآن أي وكذبوا بالقرآن أي بأنه وحي من عند الله. والباء في قوله : (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) باء يكثر دخولها على متعلق مادة التكذيب مع أن التكذيب متعد بنفسه ولم أقف في كلام أئمة اللغة على خصائص لحاقها بهذه المادة والصيغة فيحتمل أنها لتأكيد اللصوق للمبالغة في التكذيب فتكون كالباء في قوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) [المائدة : ٦] وقول النابغة :
__________________
(١) وزن آية يقتضي أن يكون ألفها منقلبة عن أصل أو أن يكون هنا لك أصل محذوف وألفها زائدة لأن حالتها الظاهرة لا تساعد على وزن صرفي ، ثم قيل إن أصلها مشتقة من أي الاستفهامية كما اشتق الكم من كم الخبرية واللو من كلمة لو التي للتمني ، وقيل مشتقة من أوى. والحق أن المشتق منه آية غير معروف الأصل وإنما ذكروا هذه الاحتمالات على وجه التردد ثم قال سيبويه : وزنها فعلة أيية ، أو أوية. وقال الفراء وزنها فعلة بسكون العين أيية أو أوية وكان القياس حينئذ إدغام الياء في الياء أو قلب الواو ياء وإدغامها ، لكنهم لما رأوا الحذف أخف عدلوا عن الإدغام لأن إدغام حرفي علة لا يخلو من ثقل ولئلا يشتبه بأية مؤنث أي نحو بأية سنة. وقال الكسائي أصله آيية بوزن فاعلة فقلبت الياء الأولى همزة لوقوعها إثر ألف فاعل ثم حذفت الهمزة. وفيها مذاهب أخر.
(٢) الطاية : السطح الذي يقام عليه. والطاية من الإبل : القطيع جمعه طايات وهو واوي. والثانية حجارة ترفع يجعلها الرعاة علامة على مواقعهم في الليل إذا رجعوا.