(أي ملك من ملائكة الله) فأمسكه وصارعه يعقوب كامل الليل إلى طلوع الفجر فقال له أطلقني فقد طلع الفجر فقال له يعقوب : لا أطلقك حتى تباركني فقال له : ما اسمك؟ قال : يعقوب قال له : لا يدعى اسمك يعقوب بعد اليوم بل أنت إسرائيل لأنك جاهدت الله والناس وقدرت. وباركه هناك (١). فهذا يدل على أن إسرا في هذا الاسم راجع إلى معنى الأسر في الحرب كما هو في العربية فإذا كان هذا من أصل التوراة فهو على تأويل رؤيا رآها يعقوب جعل الله بها له شرفا أو عرض له ملك كذلك. ثم إن يعقوب له اثنا عشر ابنا وهم المشهورون بالأسباط لأنهم أسباط إسحاق بن إبراهيم وإلى هؤلاء الأسباط يرجع نسب جميع بني إسرائيل وسيأتي ذكر الأسباط في هذه السورة.
و (اذْكُرُوا) أمر من الذكر وهو ـ أي الذكر ـ بكسر الذال وضمها يطلق على خطور شيء ببال من نسيه ولذلك قيل ، وكيف يذكره من ليس ينساه ، ويطلق على النطق باسم الشيء الخاطر ببال الناس ، ثم أطلق على التصريح بالدالّ مطلقا لأن الشأن أن أحدا لا ينطق باسم الشيء إلا إذا خطر بباله ، وقد فرق بعض اللغويين بين مكسور الذال ومضمومه فجعل المكسور للساني والمضموم للعقلي ولعلها تفرقة استعمالية مولدة إذ لا يحجر على المستعمل تخصيصه أحد مصدري الفعل الواحد لأحد معاني الفعل عند التعبير فيصير ذلك اصطلاحيا استعماليا لا وضعا حتى يكون من المترادف إذ اتحاد الفعل مانع من دعوى ترادف المصدرين فقد قال عمر رضياللهعنه : أفضل من ذكر الله باللسان ذكر الله عند أمره ونهيه فسمى النوعين ذكرا. والمقصود هنا الذكر العقلي إذ ليس المراد ذكر النعمة باللسان.
والمراد بالنعمة هنا جميع ما أنعم الله به على المخاطبين مباشرة أو بواسطة الإنعام على أسلافهم فإن النعمة على الأسلاف نعمة على الأبناء لأنها سمعة لهم ، وقدوة يقتدون بها ، وبركة تعود عليهم منها ، وصلاح حالهم الحاضر كان بسببها ، وبعض النعم يكون فيما فطر الله عليه الإنسان من فطنة وسلامة ضمير وتلك قد تورث في الأبناء. ولو لا تلك النعم لهلك سلفهم أو لساءت حالهم فجاء أبناؤهم في شر حال. فيشمل هذا جميع النعم التي أنعم الله بها عليهم فهو بمنزلة اذكروا نعمي عليكم. وهذا العموم مستفاد من إضافة نعمة إلى ضمير الله تعالى إذ الإضافة تأتي لما تأتي له اللام ولا يستقيم من معاني اللام العهد إذ
__________________
(١) انظر سفر التكوين إصحاح ٣٢.