وتقديم المفعول مع اشتغال فعله بضميره آكد في إفادة التقديم الحصر من تقديم المفعول على الفعل غير المشتغل بضميره ، فإياي ارهبون آكد من نحو إياي ارهبوا كما أشار إليه صاحب «الكشاف» إذ قال : «وهو من قولك زيدا رهبته وهو أوكد في إفادة الاختصاص من (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) [الفاتحة : ٥] ا ه. ووجهه عندي أن تقديم المفعول يحتمل الاختصاص ، إلا أن الأصل فيه أن يدل على الاختصاص إلا إذا أقامت القرينة على التقوى فإذا كان مع التقديم اشتغال الفعل بضمير المقدم نحو زيدا ضربته كان الاختصاص أوكد أي كان احتمال التقوى أضعف وذلك لأن إسناد الفعل إلى الضمير بعد إسناده إلى الظاهر المتقدم يفيد التقوى فتعين أن تقديم المفعول للاختصاص دون التقوى إذ التقوى قد حصل بإسناد الفعل أولا إلى الاسم أو الظاهر المتقدم وثانيا إلى ضمير المتقدم ولهذا لم يقل صاحب «الكشاف» وهو أكثر اختصاصا ولا أقوى اختصاصا إذ الاختصاص لا يقبل التقوية بل قال وهو أوكد في إفادة الاختصاص أي إن إفادته الاختصاص أقوى لأن احتمال كون التقديم للتقوى قد صار مع الاشتغال ضعيفا جدا. ولسنا ندعي أن الاشتغال متعين للتخصيص فإنه قد يأتي بلا تخصيص في نحو قوله تعالى : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) [القمر : ٤٩] ، وقوله : (أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ) [القمر : ٢٤] وقول زهير :
فكلا أراهم أصبحوا يعقلونه |
|
صحيحات مال طالعات بمخرم |
لظهور أن لا معنى للتخصيص في شيء مما ذكرنا غير أن الغالب أن يكون التقديم مع صيغة الاشتغال للتخصيص إذ العرب لا تقدم المفعول غالبا إلا لذلك ولا التفات إلى ما وجه به صاحب «المفتاح» أن احتمال المفعول في الاشتغال التخصيص والتقوي باق على حاله ولكنك إن قدرت الفعل المحذوف متقدما على المفعول كان التقديم للتقوي وإن قدرته بعد المفعول كان التقديم للتخصيص فإنه بناه على حالة موقع الفعل المقدر مع أن تقدير الفعل اعتبار لا يلاحظه البلغاء ولأنهم ينصبون على موقعه قرينه فتعين أن السامع إنما يعتد بالتقديم المحسوس وبتكرير التعلق وأما الاعتداد بموقع الفعل المقدر فحوالة على غير مشاهد لأن التقدير إن كان بنية المتكلم فلا قبل للسامع بمعرفة نيته ولا يصح أن يكون الخيار في التقدير للسامع.
هذا والتقديم إذا اقترن بالفاء كان فيه مبالغة ، لأن الفاء كما في هذه الآية مؤذنة بشرط مقدر ولما كان هذا الشرط لا دليل عليه إلا الفاء تعين تقديره عاما نحو إن يكن شيء أو مهما يكن شيء كما أشار له صاحب «الكشاف» في قوله تعالى : (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ)