أصله وفرعه كان كالمذكور كأنه قيل لئن أشركت ليحبطن عملك ، وفإن كنت عابدا شيئا فالله فاعبد ، وكذا في البيت وهذه فائدة لم يفصح عنها السلف فخذها ولا تخف.
قال التفتازانيّ «ونقل عن صاحب «الكشاف» أنه قال : إن في قوله تعالى : (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) وجوها من التأكيد : تقديم الضمير المنفصل وتأخير المتصل والفاء الموجبة معطوفا عليه ومعطوفا تقديره إياي ارهبوا فارهبون أحدهما مقدر والثاني مظهر ، وما في ذلك من تكرار الرهبة ، وما فيه من معنى الشرط بدلالة الفاء كأنه قيل : إن كنتم راهبين شيئا فارهبون» ا ه. يريد أن في تقديم الضمير إفادة الاختصاص والاختصاص تأكيد ، قال صاحب «المفتاح» ليس الحصر والتخصيص إلا تأكيدا على تأكيد وأما تأخير الضمير المتصل فلما في إعادة الإسناد من التقوي ، ومراد الزمخشري بقوله معطوفا عليه ومعطوفا العطف اللغوي أي معقبا ومعقبا به لا العطف النحوي إذ لا يستقيم هنا ، فتحصل أن في التعبير عن مثل هذا الاختصاص في كلام البلغاء مراتب أربع : مجرد التقديم للمفعول نحو (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) [الفاتحة : ٥]. وتقديمه على فعله العامل في ضميره نحو زيدا رهبته ، وتقديمه على فعله مع اقتران الفعل بالفاء نحو (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) [المدثر : ٣] وتقديمه على فعله العامل في ضميره مع اقتران الفعل بالفاء نحو (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ). فالثانية والثالثة والرابعة أوكد منهما.
وحذفت ياء المتكلم بعد نون الوقاية في قوله : (فَارْهَبُونِ) للجمهور من العشرة في الوصل والوقف وأثبتها يعقوب في الوصل والوقف. وجمهور العرب يحذفونها في الوقف دون الوصل وهذيل يحذفونها في الوقف والوصل وأهل الحجاز يثبتونها في الحالين وإنما اتفق الجمهور هنا على حذفها في الوصل مثل الوقف لأن كلمة (فَارْهَبُونِ) كتبت في المصحف الإمام بدون ياء وقرئت كذلك في سنة القراءة. ووجه ذلك أنها وقعت فاصلة فاعتبروها كالموقوف عليها قال سيبويه في باب ما يحذف من أواخر الأسماء في الوقف «وجميع ما لا يحذف في الكلام وما يختار فيه أن لا يحذف يحذف في الفواصل والقوافي». ولأن لغة هذيل تحذفها مطلقا ، وقراءة يعقوب بإثبات الياء في الوصل والوقف جرى على لغة أهل الحجاز ولأنه رواها بالإثبات وهو وجه في العربية ويكون قد تأول كتابتها بدون ياء في المصحف أنه اعتماد على أن القارئ يجريها على روايته ولذلك لو لم تكن ياء المتكلم في كلمة هي فاصلة من الآي لما اتفق الجمهور على حذفها كما في قوله تعالى : (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ) [البقرة : ١٨٦] كما سيأتي.
[٤١] (وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي