ويسمى الثمن ويتعدى الفعل إليه بالباء الدالة على معنى العوض.
وقد عدي الاشتراء هنا إلى الآيات بالباء فكانت الآيات هي الواقعة موقع الثمن لأن الثمن هو مدخل الباء فدل دخول الباء على أن الآيات شبهت بالثمن في كونها أهون العوضين عند المستبدل ، وذكر الباء قرينة المكنية لأنها تدخل على الثمن ولا يصح كونها تبعية إذ ليس ثم معنى حقه أن يؤدى بالحرف شبه بمعنى الباء ، فها هنا يتعين سلوك طريقة السكاكي في رد التبعية للمكنية. ولا يصح أيضا جعل الباء تخييلا إذ ليست دالة على معنى مستقل يمكن تخيله.
ثم عبر عن مفعول الاشتراء بلفظ الثمن وكان الظاهر أن يعطى لفظ الثمن لمدخول الباء أو أن يعبر عن كل بلفظ آخر كأن يقال : لا تشتروا بآياتي متاعا قليلا فأخرج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر وعبر عن المتاع ونحوه بالثمن على طريق الاستعارة التحقيقية لتشبيه هذا العوض من الرئاسة أو المال بالثمن أو لأنه يشبه الثمن في كونه أعيانا وحطاما جعلت بدلا عن أمر نافع وفي ذلك تعريض بهم في أنهم مغبونو الصفقة إذ قد بذلوا أنفس شيء وأخذوا حظّا ما قليلا فكان كلا البدلين في الآية مشبها بالثمن إلا أن الآيات شبهت به في كونها أهون على المعتاض ، والمتاع الذي يأخذونه شبه بالثمن في كونه شيئا ماديا يناله كل أحد أو للإشارة إلى أن كلا من الآيات والثمن أمر هين على فريق فالآيات هانت على الأحبار والأموال هانت على العامة وخص الهين حقيقة بإعطائه اللفظ الحقيقي الدال على أنه هين وأما الهين صورة فقد أعطى الباء المجازية وكل من الاستعارتين قرينة على الأخرى ، ولأنه لما غلب في الاستعمال إطلاق الثمن على النقدين اختير إطلاق ذلك على ما يأخذونه تلميحا إلى أنهم يأخذون المال عن تغيير الأحكام الشرعية كقوله (يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى) [الأعراف : ١٦٩].
وقد قيل إن قوله (ثَمَناً) قرينة الاستعارة في قوله (وَلا تَشْتَرُوا) ووجهه أنه لما أدخلت الباء على الآيات تعين أن الآيات هي ثمن الاشتراء فلما عبر بعده بلفظ (ثَمَناً) مفعولا لفعل (تَشْتَرُوا) علم السامع أن الأول ليس بثمن حقيقي فعلم أن الاشتراء مجاز ثم هو يعلم أن المعبر عنه بالثمن بعد ذلك أيضا ليس بثمن حقيقي تبعا للعلم بالمجاز في الفعل الناصب له. وقد قيل إن قوله (ثَمَناً) تجريد وتقريره مثل تقرير كونه قرينة إذا جعلنا القرينة قوله (بِآياتِي). وقيل هو ترشيح لأن لفظ الثمن من ملائم الشراء وهو قريب مما قدمناه في كونه استعارة لأن الترشيح في نفسه قد يكون استعارة من ملائم المشبه به لملائم