الصبر في القرآن في نيف وسبعين موضعا وأضاف أكثر الخيرات والدرجات إلى الصبر وجعلها ثمرة له ، فقال عزّ من قائل : (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا) [السجدة : ٢٤]. وقال : (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا) [الأعراف : ١٣٧] وقال : (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة : ١٥٣] ا ه.
وأنت إذا تأملت وجدت أصل التدين والإيمان من ضروب الصبر فإن فيه مخالفة النفس هواها ومألوفها في التصديق بما هو مغيب عن الحس الذي اعتادته ، وبوجوب طاعتها واحدا من جنسها لا تراه يفوقها في الخلقة وفي مخالفة عادة آبائها وأقوامها من الديانات السابقة. فإذا صار الصبر خلقا لصاحبه هون عليه مخالفة ذلك كله لأجل الحق والبرهان فظهر وجه الأمر بالاستعانة على الإيمان وما يتفرع عنه بالصبر فإنه خلق يفتح أبواب النفوس لقبول ما أمروا به من ذلك.
وأما الاستعانة بالصبر فلأن الصلاة شكر والشكر يذكر بالنعمة فيبعث على امتثال المنعم على أن في الصلاة صبرا من جهات في مخالفة حال المرء المعتادة ولزومه حالة في وقت معين لا يسوغ له التخلف عنها ولا الخروج منها على أن في الصلاة سرا إلاهيا لعله ناشئ عن تجلي الرضوان الرباني على المصلي فلذلك نجد للصلاة سرا عظيما في تجلية الأحزان وكشف غم النفس وقد ورد في الحديث «أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان إذا حزبه (بزاي وباء موحدة أي نزل به) أمر فزع إلى الصلاة» وهذا أمر يجده من راقبه من المصلين وقال تعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) [العنكبوت : ٤٥] لأنها تجمع ضروبا من العبادات.
وأما كون الشكر من حيث هو معينا على الخير فهو من مقتضيات قوله تعالى : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) [إبراهيم : ٧].
وقوله : (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) اختلف المفسرون في معاد ضمير (إِنَّها) فقيل عائد إلى الصلاة والمعنى إن الصلاة تصعب على النفوس لأنها سجن للنفس وقيل الضمير للاستعانة بالصبر والصلاة المأخوذة من (اسْتَعِينُوا) على حد (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [المائدة : ٨]. وقيل راجع إلى المأمورات المتقدمة من قوله تعالى : (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ) [البقرة : ٤٠] إلى قوله (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) [البقرة : ٤٥] وهذا الأخير مما جوزه صاحب «الكشاف» ولعله من مبتكراته وهذا أوضح الأقوال وأجمعها والمحامل مرادة.
والمراد بالكبيرة هنا الصعبة التي تشتق على النفوس ، وإطلاق الكبر على الأمر