في برية سينا. وقد وصفته التوراة (١) بأنه دقيق مثل القشور يسقط ندى كالجليد على الأرض وهو مثل بزر الكزبرة أبيض وطعمه كرقاق بعسل وسمته بنو إسرائيل منا ، وقد أمروا أن لا يبقوا منه للصباح لأنه يتولد فيه دود وأن يلتقطوه قبل أن تحمى الشمس لأنها تذيبه فكانوا إذا التقطوه طحنوه بالرحا أو دقوه بالهاون وطبخوه في القدور وعملوه ملات وكان طعمه كطعم قطائف بزيت (٢) وأنهم أكلوه أربعين سنة حتى جاءوا إلى طرف أرض كنعان يريد إلى حبرون.
وأما السلوى فهي اسم جنس جمعي واحدته سلواة وقيل : لا واحد له وقيل : واحده وجمعه سواء ، وهو طائر بري لذيذ اللحم سهل الصيد كانت تسوقه لهم ريح الجنوب كل مساء فيمسكونه قبضا ويسمى هذا الطائر أيضا السمانى بضم السين وفتح الميم مخففة بعدها ألف فنون مقصور كحبارى ، وهو أيضا اسم يقع للواحد والجمع ، وقيل : هو الجمع وأما الفرد فهو سماناة.
وقوله : (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) مقول قول محذوف لأن المخاطبين حين نزول القرآن لم يؤمروا بذلك فدل على أنه من بقية الخبر عن أسلافهم.
وقوله : (وَما ظَلَمُونا) قدره صاحب «الكشاف» معطوفا على مقدر أي فظلموا وقرره شارحوه بأن (ما ظلمونا) نفي لظلم متعلق بمفعول معين وهو ضمير الجلالة وهذا النفي يفيد في المقام الخطابي أن هنالك ظلما متعلقا بغير هذا المنصوب إذ لو لم يكن الظلم واقعا لنفى مطلقا بأن يقال : وما ظلموا وليس المعنى عليه ، وأنه إنما قدر في «الكشاف» الفعل المحذوف مقترنا بالفاء لأن الفاء في عطف الجمل تفيد مع الترتيب والتعقيب معنى السببية غالبا ، فتكون الجملة المعطوفة متسببة عن الجملة المعطوف عليها فشبه وقوع ظلمهم حين كفروا النعمة عقب الإحسان بترتب المسبب على السبب في الحصول بلا ريث وبدون مراقبة ذلك الإحسان حتى كأنهم يأتون بالظلم جزاء للنعمة ، ورمز إلى لفظ المشبه به برديفه وهو فاء السببية وقرينة ذلك ما يعلمه السامع من أن الظلم لا يصلح لأن يكون مسببا عن الإنعام على حد قولك أحسنت إلى فلان فأساء إليّ وقوله تعالى : (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) [الواقعة : ٨٢] أي تجعلون شكر رزقكم أنكم تكذبون فالفاء
__________________
(١) سفر الخروج الإصحاح ١٦.
(٢) سفر العدد الإصحاح ١١.