متعلقين إما على وجه المفعولية فيهما معا مثل تعلق فعل الجعل ، وإما على وجه المفعولية في أحدهما والجر للآخر مثل متعلقي أفعال التعويض كاشترى وهذا هو الاستعمال الكثير ، فإذا تعدى الفعل إلى مفعولين نحو (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ) [إبراهيم : ٤٨] كان المفعول الأول هو المزال والثاني هو الذي يخلفه نحو قوله تعالى : (فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) [الفرقان : ٧٠] (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ) وقولهم أبدلت الحلقة خاتما ، وإذ تعدت إلى مفعول واحد وتعدت إلى الآخر بالباء وهو الأكثر فالمنصوب هو المأخوذ والمجرور هو المبذول نحو قوله هنا : (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) وقوله (وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) [البقرة : ١٠٨] وقوله في سورة النساء (وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) ، وقد يجر المعمول الثاني بمن التي هي بمعنى باء البدلية كقول أبي الشيص :
بدّلت من مرد الشباب ملاءة |
|
خلقا وبئس مثوبة المقتاض |
وقد يعدل عن تعدية الفعل إلى الشيء المعوض ويعدى إلى آخذ العوض فيصير من باب أعطى فينصب مفعولين وينبه على المتروك بما يدل على ذلك من نحو من كذا ، وبعد كذا ، كقوله تعالى : (وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً) [النور : ٥٥] التقدير ليبدلن خوفهم أمنا هذا تحرير طريق استعمال هذه الأفعال.
ووقع في «الكشاف» عند قوله تعالى : (وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) ما يقتضي أن فعل بدل له استعمال غير استعمال فعل استبدل وتبدل بأنه إذا عدي إلى المعمول الثاني بالباء كان مدخول الباء هو المأخوذ وكان المنصوب هو المتروك والمعطى فقرره القطب في «شرحه» بما ظاهره أن بدّل لا يكون في معنى تعديته إلا مخالفا لتبدل واستبدل ، وقرره التفتازانيّ بأن فيه استعمالين إذا تعدى إلى المعمول الثاني بالباء أحدهما يوافق استعمال تبدل والآخر بعكسه ، والأظهر عندي أن لا فرق بين بدل وتبدل واستبدل وأن كلام «الكشاف» مشكل وحسبك أنه لا يوجد في كلام أئمة اللغة ولا في كلامه نفسه في كتاب «الأساس».
فالأمر في قوله : (اهْبِطُوا) للإباحة المشوبة بالتوبيخ أي إن كان هذا همكم فاهبطوا بقرينة قوله : (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) فالمعنى اهبطوا مصرا من الأمصار يعني وفيه إعراض عن طلبهم إذ ليس حولهم يومئذ بلد قريب يستطيعون وصوله. وقيل : أراد اهبطوا مصر أي بلد مصر بلد القبط أي ارجعوا إلى مصر التي خرجتم منها