على أن أبا علي الفارسي صنف كتاب «الحجة» للقراءات ، وهو معتمد عند المفسرين وقد رأيت نسخة منه في مكاتب الآستانة ، فالقراءات من هذه الجهة لا تفيد في علم التفسير والمراد بموافقة خط المصحف موافقة أحد المصاحف الأئمة التي وجه بها عثمان بن عفان إلى أمصار الإسلام إذ قد يكون اختلاف يسير نادر بين بعضها ، مثل زيادة الواو في (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ) [آل عمران : ١٣٣] في مصحف الكوفة ومثل زيادة الفاء في قوله : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) في سورة الشورى [٣٠] : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً) [العنكبوت : ٨] أو إحسانا فذلك اختلاف ناشئ عن القراءة بالوجهين بين الحفاظ من زمن الصحابة الذين تلقّوا القرآن عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، لأنه قد أثبته ناسخو المصحف في زمن عثمان فلا ينافي التواتر إذ لا تعارض ، إذا كان المنقول عنه قد نطق بما نقله عنه الناقلون في زمانين أو أزمنة ، أو كان قد أذن للناقلين أن يقرءوا بأحد اللفظين أو الألفاظ.
وقد انحصر توفر الشروط في الروايات العشر للقراء وهم : نافع بن أبي نعيم المدني ، وعبد الله بن كثير المكي ، وأبو عمرو المازني البصري وعبد الله بن عامر الدمشقي ، وعاصم بن أبي النّجود الكوفي ، وحمزة بن حبيب الكوفي ، والكسائي عليّ بن حمزة الكوفي ، ويعقوب بن إسحاق الحضرمي البصري ، وأبو جعفر يزيد بن القعقاع المدني ، وخلف البزار (بزاي فألف فراء مهملة) الكوفي ، وهذا العاشر ليست له رواية خاصة ، وإنما اختار لنفسه قراءة تناسب قراءات أئمة الكوفة ، فلم يخرج عن قراءات قراء الكوفة إلا قليلا ، وبعض العلماء يجعل قراءة ابن محيصن واليزيدي والحسن والأعمش ، مرتبة دون العشر ، وقد عد الجمهور ما سوى ذلك شاذا لأنه لم ينقل بتواتر حفاظ القرآن.
والذي قاله مالك والشافعي أن ما دون العشر لا تجوز القراءة به ولا أخذ حكم منه لمخالفته المصحف الذي كتب فيه ما تواتر ، فكان ما خالفه غير متواتر فلا يكون قرآنا ، وقد تروى قراءات عن النبي صلىاللهعليهوسلم بأسانيد صحيحة في كتب الصحيح مثل «صحيح البخاري ومسلم» وأضرابهما إلا أنها لا يجوز لغير من سمعها من النبي صلىاللهعليهوسلم القراءة بها لأنها غير متواترة النقل فلا يترك المتواتر للآحاد ، وإذا كان راويها قد بلغته قراءة أخرى متواترة تخالف ما رواه وتحقق لديه التواتر وجب عليه أن يقرأ بالمروية تواترا ، وقد اصطلح المفسرون على أن يطلقوا عليها قراءة النبي صلىاللهعليهوسلم ، لأنها غير منتسبة إلى أحد من أئمة الرواية في القراءات ، ويكثر ذكر هذا العنوان في «تفسير محمد بن جرير الطبري» وفي «الكشاف»