مصاحف بعد أن أجمع الناس على مصحف عثمان.
قال البغوي في تفسير قوله تعالى : (وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ) [الواقعة : ٢٩] عن مجاهد وفي «الكشاف» و«القرطبي» ـ قرأ علي بن أبي طالب : «وطلح منضود» بعين في موضع الحاء ، وقرأ قارئ بين يديه (وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ) فقال : وما شأن الطلح؟ إنما هو «وطلع» وقرأ (لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ) [ق : ١٠] فقالوا أفلا نحولها؟ فقال إن آي القرآن لا تهاج اليوم ولا تحول ، أي لا تغير حروفها ولا تحول عن مكانها فهو قد منع من تغيير المصحف ، ومع ذلك لم يترك القراءة التي رواها.
وممن نسبت إليهم قراءات مخالفة لمصحف عثمان ، عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وسالم مولى أبي حذيفة ، إلى أن ترك الناس ذلك تدريجا.
ذكر الفخر في تفسير قوله تعالى : (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ) من سورة النور [١٥] أن سفيان قال سمعت أمي تقرأ : «إذ تثقفونه بألسنتكم» وكان أبوها يقرأ بقراءة ابن مسعود ، ومع ذلك فقد شذت مصاحف بقيت مغفولا عنها بأيدي أصحابها ، منها ما ذكره الزمخشري في «الكشاف» في سورة الفتح أن الحارث بن سويد صاحب عبد الله بن مسعود كان له مصحف دفنه في مدة الحجاج ، قال في «الكشاف» : لأنه كان مخالفا للمصحف الإمام ، وقد أفرط الزمخشري في توهين بعض القراءات لمخالفتها لما اصطلح عليه النحاة وذلك من إعراضه عن معرفة الأسانيد.
من أجل ذلك اتفق علماء القراءات والفقهاء على أن كل قراءة وافقت وجها في العربية ووافقت خط المصحف ـ أي مصحف عثمان ـ وصح سند راويها فهي قراءة صحيحة لا يجوز ردها ، قال أبو بكر ابن العربي : ومعنى ذلك عندي أن تواترها تبع لتواتر المصحف الذي وافقته وما دون ذلك فهو شاذ ، يعني وأن تواتر المصحف ناشئ عن تواتر الألفاظ التي كتبت فيه.
قلت : وهذه الشروط الثلاثة هي شروط في قبول القراءة إذا كانت غير متواترة عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، بأن كانت صحيحة السند إلى النبي ولكنها لم تبلغ حد التواتر فهي بمنزلة الحديث الصحيح ، وأما القراءة المتواترة فهي غنية عن هذه الشروط لأن تواترها يجعلها حجة في العربية ، ويغنيها عن الاعتضاد بموافقة المصحف المجمع عليه ، ألا ترى أن جمعا من أهل القراءات المتواترة قرءوا قوله تعالى : (وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) [التكوير : ٢٤] بظاء مشالة أي بمتهم ، وقد كتبت في المصاحف كلها بالضاد الساقطة.