قراؤها من الصحابة قبل ورود مصحف عثمان إليهم فقرأ كل فريق بعربية قومه في وجوه الأداء ، لا في زيادة الحروف ونقصها ، ولا في اختلاف الإعراب دون مخالفته مصحف عثمان ، ويحتمل أن يكون القارئ الواحد قد قرأ بوجهين ليري صحتهما في العربية قصدا لحفظ اللغة مع حفظ القرآن الذي أنزل بها ، ولذلك يجوز أن يكون كثير من اختلاف القراء في هذه الناحية اختيارا ، وعليه يحمل ما يقع في «كتابي الزمخشري وابن العربي» من نقد بعض طرق القراء ، على أن في بعض نقدهم نظرا ، وقد كره مالك رحمهالله القراءة بالإمالة مع ثبوتها عن القراء ، وهي مروية عن مقرئ المدينة نافع من رواية ورش عنه وانفرد بروايته أهل مصر ، فدلت كراهته على أنه يرى أن القارئ بها ما قرأ إلا بمجرد الاختيار.
وفي تفسير القرطبي في سورة الشعراء [١] عن أبي إسحاق الزجاج : يجوز أن يقرأ «طسين ميم» بفتح النون من «طسين» وضم الميم الأخيرة كما يقال هذا معديكرب ا ه مع أنه لم يقرأ به أحد. قلت : ولا ضير في ذلك ما دامت كلمات القرآن وجمله محفوظة على نحو ما كتب في المصحف الذي أجمع عليه أصحاب رسول الله إلا نفرا قليلا شذوا منهم ، كان عبد الله بن مسعود منهم ، فإن عثمان لما أمر بكتب المصحف على نحو ما قرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأثبته كتّاب المصحف ، رأى أن يحمل الناس على اتباعه وترك قراءة ما خالفه ، وجمع جميع المصاحف المخالفة له وأحرقها ووافقه جمهور الصحابة على ما فعله.
قال شمس الدين الأصفهاني في المقدمة الخامسة من «تفسيره» «كان عليّ طول أيامه يقرأ مصحف عثمان ويتخذه إماما». وقلت : إنما كان فعل عثمان إتماما لما فعله أبو بكر من جمعه القرآن الذي كان يقرأ في حياة الرسول ، وأن عثمان نسخه في مصاحف لتوزع على الأمصار ، فصار المصحف الذي كتب لعثمان قريبا من المجمع عليه وعلى كل قراءة توافقه وصار ما خالفه متروكا بما يقارب الإجماع.
قال الأصفهاني في «تفسيره» : «كانت قراءة أبي بكر وعمر وعثمان وزيد بن ثابت والمهاجرين والأنصار واحدة ، وهي قراءة العامة التي قرأ بها رسول الله صلىاللهعليهوسلم على جبريل في العام الذي قبض فيه ، ويقال إن زيد بن ثابت شهد العرضة الأخيرة التي عرضها رسول الله على جبريل» ا ه. وبقي الذين قرءوا قراءات مخالفة لمصحف عثمان يقرءون بما رووه لا ينهاهم أحد عن قراءتهم ولكن يعدونهم شذاذا ولكنهم لم يكتبوا قراءتهم في