والتأكيد في قوله : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ) حكاية لما عبر به موسى من الاهتمام بهذا الخبر الذي لو وقع في العربية لوقع مؤكدا بإنّ.
وقولهم : (تَتَّخِذُنا هُزُواً) استفهام حقيقي لظنهم أن الأمر بذبح بقرة للاستبراء من دم قتيل كاللعب و (تَتَّخِذُنا) بمعنى تجعلنا وسيأتي بيان أصل فعل اتخذ عند قوله تعالى : (أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً) في سورة الأنعام [٧٤].
والهزؤ بضم الهمزة والزاي وبسكون الزاي مصدر هزأ به هزءا وهو هنا مصدر بمعنى المفعول كالصيد والخلق.
وقرأ الجمهور (هزؤا) بضمتين وهمز بعد الزاي وصلا ووقفا ، وقرأ حمزة بسكون الزاي وبالهمز وصلا ، ووقف عليه بتخفيف الهمز واوا وقد رسمت في المصحف واوا ، وقرأ حفص بضم الزاي وتخفيف الهمز واوا في الوصل والوقف.
وقول موسى : (أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) تبرؤ وتنزه عن الهزء لأنه لا يليق بالعقلاء الأفاضل فإنه أخص من المزح لأن في الهزؤ مزحا مع استخفاف واحتقار للمزوح معه على أن المزح لا يليق في المجامع العامة والخطابة ، على أنه لا يليق بمقام الرسول ولذا تبرأ منه موسى بأنه نفى أن يكون من الجاهلين كناية عن نفي المزح بنفي ملزومه ، وبالغ في التنزه بقوله (أَعُوذُ بِاللهِ) أي منه لأن العياذ بالله أبلغ كلمات النفي فإن المرء لا يعوذ بالله إلا إذا أراد التغلب على أمر عظيم لا يغلبه إلا الله تعالى. وصيغة (أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) أبلغ في انتفاء الجهالة من أن لو قال أعوذ بالله أن أجهل كما سيأتي في سورة الأنعام [٥٦] عند قوله : (وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ).
والجهل ضد العلم وضد الحلم وقد ورد لهما في كلام العرب ، فمن الأول قول عمرو بن كلثوم :
ألا لا يجهلن أحد علينا |
|
فنجهل فوق جهل الجاهلينا |
ومن الثاني قول الحماسي :
فليس سواء عالم وجهول
وقول النابغة :
وليس جاهل شيء مثل من علما