وقوله : (قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ) أكد مقول موسى ومقول الله تعالى بإن لمحاكاة ما اشتمل عليه كلام موسى من الاهتمام بحكاية قول الله تعالى فأكده بإن ، وما اشتمل عليه مدلول كلام الله تعالى لموسى من تحقيق إرادته ذلك تنزيلا لهم منزلة المنكرين لما بدا من تعنتهم وتنصلهم ، ويجوز أن يكون التأكيد الذي في كلام موسى لتنزيلهم منزلة أن يكون الله قال لموسى ذلك جريا على اتهامهم السابق في قولهم : (أَتَتَّخِذُنا هُزُواً) [البقرة : ٦٧] جوابا عن قوله : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ).
ووقع قوله : (لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ) موقع الصفة لبقرة وأقحم فيه حرف (لا) لكون الصفة بنفي وصف ثم بنفي آخر على معنى إثبات وصف واسطة بين الوصفين المنفيين فلما جيء بحرف (لا) أجري الإعراب على ما بعده لأن (لا) غير عاملة شيئا فيعتبر ما قبل لا على عمله فيما بعدها سواء كان وصفا كما هنا وقوله تعالى : (زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) [النور : ٣٥] وقول جويرية أو حويرثة بن بدر الرامي :
وقد أدركتني والحوادث جمة |
|
أسنة قوم لا ضعاف ولا عزل |
أو حالا كقول الشاعر وهو من شواهد النحو :
قهرت العدا لا مستعينا بعصبة |
|
ولكن بأنواع الخدائع والمكر (١) |
أو مضافا كقول النابغة :
وشيمة لاوان لا واهن القوى |
|
وجدّ إذا خاب المفيدون صاعد |
أو خبر مبتدأ كما وقع في حديث أم زرع قول الأولى : «لا سهل فيرتقى ، ولا سمين فينتقل» على رواية الرفع ـ أي هو أي الزوج ـ لا سهل ولا سمين. وجمهور النحاة أن لا هذه يجب تكريرها في الخبر والنعت والحال أي بأن يكون الخبر ونحوه شيئين فأكثر فإن لم يكن كذلك لم يجز إدخال (لا) في الخبر ونحوه وجعلوا بيت جويرية أو حويرثة ضرورة وخالف فيه المبرد. وليست (لا) في مثل هذا بعاملة عمل ليس ولا عمل إن ، وذكر النحاة لهذا الاستعمال في أحد هذين البابين لمجرد المناسبة.
واعلم أن نفي وصفين بحرف (لا) قد يستعمل في إفادة إثبات وصف ثالث هو وسط بين حالي ذينك الوصفين مثل ما في هذه الآية بدليل قوله : (عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) ومثل قوله
__________________
(١) بفتح التاء للخطاب.