التكليف بما علم الله عدم وقوعه ، على أن بعض أحوالهم قد تتغير فيكون للطماعية بعد ذلك حظ.
واللام في قوله : (لَكُمْ) لتضمين (يُؤْمِنُوا) معنى يقرّوا وكأنّ فيه تلميحا إلى أن إيمانهم بصدق الرسول حاصل ولكنهم يكابرون ويجحدون على نحو قوله تعالى : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) [البقرة : ١٤٦] الآية فما أبدع نسج القرآن. ويجوز حمل اللام على التعليل وجعل (يُؤْمِنُوا) منزّلا منزلة اللازم تعريضا بهم بأنهم لم يؤمنوا بالحق الذي جاءهم على ألسنة أنبيائهم وهم أخص الناس بهم أفتطمعون أن يعترفوا به لأجلكم.
وقوله : (وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ) جملة حالية هي قيد إنكار الطمع في إيمانهم فيكون قد علل هذا الإنكار بعلتين إحداهما بالتفريع على ما علمناه ، والثانية بالتقييد بما علّمناه.
وقوله : (فَرِيقٌ مِنْهُمْ) يحتمل أن يريد من قومهم الأقدمين أومن الحاضرين في زمن نزول الآية.
وسماعهم كلام الله على التقديرين هو سماع الوحي بواسطة الرسول إن كان الفريق من الذين كانوا زمن موسى أو بواسطة النقل إن كان من الذين جاءوا من بعده. أما سماع كلام الله مباشرة فلم يقع إلا لموسى عليهالسلام. وأيّا ما كان فالمقصود بهذا الفريق جمع من علمائهم دون عامتهم.
والتحريف أصله مصدر حرّف الشيء إذا مال به إلى الحرف وهو يقتضي الخروج عن جادة الطريق ، ولمّا شاع تشبيه الحق والصواب والرشد والمكارم بالجادة وبالصراط المستقيم شاع في عكسه تشبيه ما خالف ذلك بالانحراف وببينات الطريق. قال الأشتر :
بقّيت وفرى وانحرفت عن العلى |
|
ولقيت أضيافي بوجه عبوس |
ومن فروع هذا التشبيه قولهم : زاغ ، وحاد ومرق ، وألحد وقوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) [الحج : ١١]. فالمراد بالتحريف إخراج الوحي والشريعة عما جاءت به ، إما بتبديل وهو قليل وإما بكتمان بعض وتناسيه وإما بالتأويل البعيد وهو أكثر أنواع التحريف.
وقوله : (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) حال من (فَرِيقٌ) وهو قيد في القيد يعني يسمعونه ثم يعقلونه ثم يحرفونه وهم يعلمون أنهم يحرفون ، وأن قوما توارثوا هذه الصفة لا يطمع في