الذي به حياة الإنس ، ولا يطلق على ما به حياة العجماوات إلا لفظ نفس ، قال تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) [الإسراء : ٨٥] ويطلق على قوة من لدن الله تعالى يكون بها عمل عجيب ومنه قوله : (فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا) [التحريم : ١٢] ، ويطلق على جبريل كما في قوله : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) [الشعراء : ١٩٣ ، ١٩٤] وهو المراد في قوله تعالى : (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها) [القدر : ٤] وقوله : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ) [النبأ : ٣٨].
والقدس بضمتين وبضم فسكون مصدر أو اسم مصدر بمعنى النزاهة والطهارة. والمقدس المطهر وتقدم في قوله تعالى : (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) [البقرة : ٣٠].
وروح القدس روح مضاف إلى النزاهة فيجوز أن يكون المراد به الروح الذي نفخ الله في بطن مريم فتكوّن منه عيسى وإنما كان ذلك تأييدا له لأن تكوينه في ذلك الروح اللدني المطهر هو الذي هيأه لأن يأتي بالمعجزات العظيمة ، ويجوز أن يكون المراد به جبريل والتأييد به ظاهر لأنه الذي يأتيه بالوحي وينطق على لسانه في المهد وحين الدعوة إلى الدين وهذا الإطلاق أظهر هنا ، وفي الحديث الصحيح «إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستوفي أجلها». وعلى كلا الوجهين فإضافة (روح) إلى (القدس) إما من إضافة ما حقه أن يكون موصوفا إلى ما حقه أن تشتق منه الصفة ولكن اعتبر طريق الإضافة إلى ما منه اشتقاق الصفة لأن الإضافة أدل على الاختصاص بالجنس المضاف إليه لاقتضاء الإضافة ملابسة المضاف بالمضاف إليه وتلك الملابسة هنا تؤول إلى التوصيف وإلى هذا قال التفتازانيّ في «شرح الكشاف» وأنكر أن يكون المضاف إليه في مثله صفة حقيقة حتى يكون في الوصف بالمصدر.
وقوله تعالى : (أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ) هو المقصود من الكلام السابق ، وما قبله من قوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا) تمهيد له كما تقدم ، فالفاء للسببية والاستفهام للتعجيب من طغيانهم ومقابلتهم جميع الرسل في جميع الأزمان بمقابلة واحدة ساوى فيها الخلف السلف مما دل على أن ذلك سجية في الجميع.
وتقديم همزة الاستفهام على حرف العطف المفيد للتشريك في الحكم استعمال متبع في كلام العرب وظاهره غريب لأنه يقتضي أن يكون الاستفهام متسلطا على العاطف والمعطوف وتسلط الاستفهام على حرف العطف غريب فلذلك صرفه علماء النحو عن ظاهره ولهم في ذلك طريقتان : إحداهما طريقة الجمهور قالوا : همزة الاستفهام مقدمة من