وقال البيضاوي إن تكرير القصة للتنبيه على أن طريقتهم مع محمد صلىاللهعليهوسلم طريقة أسلافهم مع موسى وهي نكتة في الدرجة الأولى وهذا إلزام لهم بعمل أسلافهم بناء على أن الفرع يتبع أصله والولد نسخة من أبيه ، وهو احتجاج خطابي.
والقول في هاته الآيات كالقول في سابقتها [البقرة : ٦٣] وكذلك القول في (البينات). إلا أن قوله : (وَاسْمَعُوا) مراد به الامتثال فهو كناية كما تقول فلان لا يسمع كلامي أي لا يمتثل أمري إذ ليس الأمر هنا بالسماع بمعنى الإصغاء إلى التوراة فإن قوله : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) يتضمنه ابتداء لأن المراد من الأخذ بالقوة الاهتمام به وأول الاهتمام بالكلام هو سماعه والظاهر أن قوله : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) لا يشمل الامتثال فيكون قوله : (وَاسْمَعُوا) دالا على معنى جديد وليس تأكيدا ، ولك أن تجعله تأكيدا لمدلول (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) بأن يكون الأخذ بقوة شاملا لنية الامتثال وتكون نكتة التأكيد حينئذ هي الإشعار بأنهم مظنة الإهمال والإخلال حتى أكد عليهم ذلك قبل تبين عدم امتثالهم فيما يأتي ففي هذه الآية زيادة بيان لقوله في الآية الأولى : (وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) [البقرة : ٦٣].
واعلم أن من دلائل النبوة والمعجزات العلمية إشارات القرآن إلى العبارات التي نطق بها موسى في بني إسرائيل وكتبت في التوراة فإن الأمر بالسماع تكرر في مواضع مخاطبات موسى لملإ بني إسرائيل بقوله : اسمع يا إسرائيل ، فهذا من نكت اختيار هذا اللفظ للدلالة على الامتثال دون غيره مما هو أوضح منه وهذا مثل ما ذكرنا في التعبير بالعهد.
وقوله : (قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا) يحتمل أنهم قالوه في وقت واحد جوابا لقوله : (وَاسْمَعُوا) وإنما أجابوه بأمرين لأن قوله : (اسْمَعُوا) تضمن معنيين معنى صريحا ومعنى كنائيا فأجابوا بامتثال الأمر الصريح وأما الأمر الكنائي فقد رفضوه وذلك يتضمن جواب قوله : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) أيضا لأنه يتضمن ما تضمنه (وَاسْمَعُوا) وفي هذا الوجه بعد ظاهر إذ لم يعهد منهم أنهم شافهوا نبيهم بالعزم على المعصية وقيل : إن قوله : (سَمِعْنا) جواب لقوله : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ) أي سمعنا هذا الكلام ، وقوله : (وَعَصَيْنا) جواب لقوله : (وَاسْمَعُوا) لأنه بمعنى امتثلوا ليكون كل كلام قد أجيب عنه ويبعده أن الإتيان في جوابهم بكلمة (سَمِعْنا) مشير إلى كونه جوابا لقوله : (اسْمَعُوا) لأن شأن الجواب أن يشتمل على عبارة الكلام المجاب به وقوله : ليكون كل كلام قد أجيب عنه قد علمت أن جعل (سَمِعْنا وَعَصَيْنا) جوابا لقوله : (وَاسْمَعُوا) يغني عن تطلب جواب