(بِكُفْرِهِمْ) فإن الاعتقاد يزيد المعتقد توغلا في حب معتقده.
وإسناد الإشراب إلى ضمير ذواتهم ثم توضيحه بقوله : (فِي قُلُوبِهِمُ) مبالغة وذلك مثل ما يقع في بدل البعض والاشتمال وما يقع في تمييز النسبة. وقريب منه قوله تعالى : (إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً) [النساء : ١٠] وليس هو مثل ما هنا لأن الأكل متمحض لكونه منحصرا في البطن بخلاف الإشراب فلا اختصاص له بالقلوب.
وقوله : (قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) تذييل واعتراض ناشئ عن قولهم (سَمِعْنا وَعَصَيْنا) هو خلاصة لإبطال قولهم : (نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا) [البقرة : ٩١] بعد أن أبطل ذلك بشواهد التاريخ وهي قوله : (قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ) [البقرة : ٩١] وقوله : (وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ) وقوله : (قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا) ولذلك فصله عن قوله : (قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ) لأنه يجري من الأول مجرى التقرير والبيان لحاصله ، والمعنى قل لهم إن كنتم مؤمنين بما أنزل عليكم كما زعمتم يعني التوراة فبئسما أمركم به هذا الإيمان إذ فعلتم ما فعلتم من الشنائع من قتل الأنبياء ومن الإشراك بالله في حين قيام التوراة فيكم فكيف وأنتم اليوم لا تعرفون من الشريعة إلا قليلا ، وخاصة إذا كان هذا الإيمان بزعمهم يصدهم عن الإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم فالجملة الشرطية كلها مقول (قُلْ) والأمر هنا مستعمل مجازا في التسبب.
وإنما جعل هذا مما أمرهم به إيمانهم مع أنهم لم يدعوا ذلك لأنهم لما فعلوه وهم يزعمون أنهم متصلبون في التمسك بما أنزل إليهم حتى أنهم لا يخالفونه قيد فتر ولا يستمعون لكتاب جاء من بعده فلا شك أن لسان حالهم ينادي بأنهم لا يفعلون فعلا إلا وهو مأذون فيه من كتابهم ، هذا وجه الملازمة وأما كون هذه الأفعال مذمومة شنيعة فذلك معلوم بالبداهة فأنتج ذلك أن إيمانهم بالتوراة يأمرهم بارتكاب الفظائع وهذا ظاهر الكلام والمقصود منه القدح في دعواهم الإيمان بالتوراة وإبطال ذلك بطريق يستنزل طائرهم ويرمي بهم في مهواة الاستسلام للحجة فأظهر إيمانهم المقطوع بعدمه في مظهر الممكن المفروض ليتوصل من ذلك إلى تبكيتهم وإفحامهم نحو : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) [الزخرف : ٨١] ولهذا أضيف الإيمان إلى ضميرهم لإظهار أن الإيمان المذموم هو إيمانهم أي الذي دخله التحريف والاضطراب لما هو معلوم من أن الإيمان بالكتب والرسل إنما هو لصلاح الناس والخروج بهم من الظلمات إلى النور فلا جرم أن يكون مرتكبو هاته الشنائع ليسوا من الإيمان بالكتاب الذي فيه هدى ونور في شيء فبطل بذلك