ورضى من الله تعالى وبشرهم بأن الله سيؤتيهم خير الدنيا وخير الآخرة.
فقد حصل من الأوصاف الخمسة للقرآن وهي أنه منزل من عند الله بإذن الله ، وبأنه منزل على قلب الرسول ، وأنه مصدق لما سبقه من الكتب ، وأنه هاد أبلغ هدى ، وأنه بشرى للمؤمنين ، الثناء على القرآن بكرم الأصل وكرم المقر وكرم الفئة ومفيض الخير على أتباعه الأخيار خيرا عاجلا وواعد لهم بعاقبة الخير.
وهذه خصال الرجل الكريم محتده وبيته وقومه ، السخي بالبذل الواعد به وهي خصال نظر إليها بيت زياد الأعجم :
إنّ المساحة والمروءة والنّدى |
|
في قبة ضربت على ابن الحشرج |
وقوله : (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ) إلخ قد ظهر حسن موقعه بما علمتموه من وجه معنى (فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ) أي لما كانت عداوتهم جبريل لأجل عداوتهم الرسول ورجعت بالأخرة إلى إلزامهم بعداوتهم الله المرسل ، لأن سبب العداوة هو مجيئه بالرسالة تسنى أن سجل عليهم أنهم أعداء الله لأنه المرسل ، وأعداء رسله لأنهم عادوا الرسول ، وأعداء الملائكة لذلك ، فقد صارت عداوتهم جبريل كالحد الوسط في القياس لا يلتفت إليه وإنما يلتفت للمقدمتين بالصغرى والكبرى فعداوتهم الله بمنزلة المقدمة الكبرى لأنها العلة في المعنى عند التأمل. وعداوتهم الرسول بمنزلة المقدمة الصغرى لأنها السبب الجزئي المثبت له فلا يرد أنه لا وجه لذكر عداوة الله تعالى هنا حتى يجاب بأن عداوة الملائكة والرسل عداوة لله على حد (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) [النساء : ٨٠] فإن ذلك بعيد.
وقد أثبت لهم عدواة الملائكة والرسل مع أنهم إنما عادوا جبريل ومحمدا لأنهم لما عادوهما عادوا جبريل لأجل قيامه بما هو من خصائص جنسه الملكي وهو تبليغ أمر الله التكليفي فإن ذلك خصيصتهم قال تعالى : (وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) [الأنبياء : ٢٧] كانت عداوتهم إياه لأجل ذلك آئلة إلى عداوة جنس الملائكة إذ تلك طريق ليس جبريل فيها بأوحد وكذلك لما عادوا محمدا لأجل مجيئه بالرسالة لسبب خاص بذاته ، كانت عداوتهم إياه آئلة إلى عداوة الوصف الذي هو قوام جنس الرسول فمن عادى واحدا كان حقيقا بأن يعاديهم كلّهم وإلا كان فعله تحكما لا عذر له فيه. وخص جبريل بالذكر هنا لزيادة الاهتمام بعقاب معاديه وليذكر معه ميكائيل ولعلهم عادوهما معا أو لأنهم زعموا أن جبريل رسول الخسف والعذاب وأن ميكائيل رسول الخصب والسلام وقالوا : نحن نحب ميكائيل