إليه لا يكذب به إلا من لا يؤبه بتكذيبه لكون هذا المنزل دلائل واضحة لا تقصر عن إقناعهم بأحقيتها ولكنهم يظهرون أنفسهم أنهم لم يوقنوا بحقيتها.
واللام موطئة لقسم محذوف فهنا جملة قسم وجوابه حذف القسم لدلالة اللام عليه.
وقوله : (وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ) عطف على (لَقَدْ أَنْزَلْنا) فهو جواب للقسم أيضا.
والفاسق هو الخارج عن شيء من فسقت التمرة كما تقدم في قوله تعالى : (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) [البقرة : ٢٦] وقد شاع إطلاقه على الخارج عن طريق الخير لأن ذلك الوصف في التمرة وصف مذموم وقد شاع في القرآن وصف اليهود به ، والمعنى ما يكفر بهاته الآيات إلا من كان الفسق شأنه ودأبه لأن ذلك يهيئه للكفر بمثل هذه الآيات ، فالمراد بالفاسقين المتجاوزون الحد في الكفر المتمردون فيه. والإخبار وقع بالمضارع الدال على التجدد. والتوصيف وقع باسم الفاعل المعروف باللام.
وقوله : (أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) استفهام مستعمل في التوبيخ معطوف على جملة القسم لا على خصوص الجواب وقدمت الهمزة محافظة على صدارتها كما هو شأنها مع حروف العطف. والقول بأن الهمزة للاستفهام عن مقدر محذوف والواو عاطفة ما بعدها على المحذوف علمتم إبطاله عند قوله تعالى : (أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ). وتقديم (كلما) تبع لتقديم حرف الاستفهام وقد تقدم توجيهه عند قوله تعالى : (أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ) [البقرة : ٨٧].
والنبذ إلقاء الشيء من اليد وهو هنا استعارة لنقض العهد شبه إبطال العهد وعدم الوفاء به بطرح شيء كان ممسوكا باليد كما سموا المحافظة على العهد والوفاء به تمسكا قال كعب :
ولا تمسك بالوعد الذي وعدت
والمراد بالعهد عهد التوراة أي ما اشتملت عليه من أخذ العهد على بني إسرائيل بالعمل بما أمروا به أخذا مكررا حتى سميت التوراة بالعهد ، وقد تكرر منهم نقض العهد مع أنبيائهم. ومن جملة العهد الذي أخذ عليهم أن يؤموا بالرسول المصدق للتوراة. وأسند النبذ إلى فريق إما باعتبار العصور التي نقضوا فيها العهود كما تؤذن به (كلما) أو احتراسا من شمول الذم للذين آمنوا منهم. وليس المراد أن ذلك الفريق قليل منهم فنبه على أنه